في 10 كانون الأوّل/ديسمبر، وخلال احتفال بسيط ومؤثّر، في كابيلا إكليريكيّة أمّ الفادي في روما، استلم كيكو أرغويّو، بادئ طريق الموعوظين الجديد بالاشتراك مع كارمن هيرنانديث، وسام “إلى الله من خلال الفنّ”، كجائزة على مساهمته في الفنّ المقدّس.
تمنحُ جمعيّة ساكرو إكسبو هذه الجائزة سنويًّا إلى فنّانين أو مؤسّسات تساهم أعمالهم الفنيّة بتطوير الثقافة البشريّة وروحانيّتها. تتميّز هذه الجائزة بكونها الوحيدة التي يرعاها مجمع الثقافة والتربيّة التابع للكرسيّ الرسوليّ.
فيديو تسليم الجائزة
جماليّة جديدة في الكنيسة” كيكو أرغويّّو”
جيّد جدًّا، حسنًا، أستطيع أن أقول كلمة؟
أشكر الكاردينال رِيِّس والمونسنيور أريِتا لحضورهما معنا، وأشكر جمعيّة “الفنّ المقدّس” على هذا الوسام “إلى الله من خلال الفنّ”، الذي فاجأني بطريقة غير متوقّعة.
عندما كنت في العشرين من عمري، نلت الجائزة الوطنيّة الاستثنائيّة عن الرسم في إسبانيا؛ بعد زمن قليل، تخلّيت عن مهنة الرسم لأذهب وأجد المسيح في وسط الفقراء؛ وقد أعطاني الربّ بدل الواحد مائة، لأنّهم دعَوني في أحد الأيّام لأرسم حنية وزجاجيّات كاتدرال مدريد.
لقد صنع الربّ مع كارمن ومعي شيئًا مؤثّرًا. لأنّ الأهمّ جدًّا من كلّ أعمالي الفنيّة كان فتحُ طريق تنشئة مسيحيّة في كلّ الكنيسة، والذي يساعد الآن الكثير من العائلات والكثير من الشبّان. هذا ما أسمّيه حقًّا عملًا فنيًّا.
تعرفون جميعًا عبارة دوستويفسكي الشهيرة في كتاب “الغبيّ”: الجمال سيخلّص العالم”. ينطق بها الأمير ثم يقول إنّ هذا الجمال هو المسيح. لقد رأينا العمل الذي وضعنا فيه الربّ من خلال طريق التنشئة المسيحيّة، ونحن منبهرون كليًّا… لقد حملنا الربّ على اكتشاف نوع من الجماليّة، من خلال الأيقونات، التي هي وسيلة للتعبير عن الإيمان وتحقيقه بطريقة جديدة، ومن خلال الكنيسة نفسها.
الجمال سيخلّص العالم. أيّ جمال؟ الجمال مهمّ جدًّا في أيّامنا لأنّنا في عالم يعتبر الاهتمام المفرط بالجمال والجسد أمرًا مهمًّا جدًّا. الجمال ضروريّ لأنّه بدون الجمال يقع الإنسان في اليأس, لقد سبق للقدّيس يوحنّا بولس الثاني أن قال بأنّ نقص الجمال يقود إلى نقص الرجاء، وإلى اليأس والكثير من الانتحارات بين الشبّان.
بحسب للدراسات الفلسفيّة، فإنّ الجمال هو تسامي الوجود بالتساوي مع الحقيقة والصلاح. أردت أن أضع الجمال بعلاقة مع المتعة، والعاطفة الجماليّة. سأقوال كلمة سريعة عن الجمال.
إذا فتحتم الكتاب المقدّس، سترَون أمرًا مفاجئًا. في سفر يشوع بن سيراخ، في الفصل 42، يمكنكم أن تقرأوا ما يلي: “لقد صنع الله زوجًا من كلّ شيء، كلّ فردٍ منه قبالة الآخر، ولم يصنع شيئًا مغلوطًا. كلّ شيء يؤكّد امتياز ما هو بقربه”. يقول إنّ كلّ ما خلقه الله يُنشد امتياز ما هو بقربه. هذا هو مبدأ الجمال. العلاقة بين كلّ شيء وما هو بقربه. إذًا، يمكننا القول إنّ محتوى الجمال الأعمق هو الحبّ. لنأخذ منظرًا طبيعيًّا، على سبيل المثال: طراوة السماء الزرقاء تنشد جمال الغيوم الرماديّة أو البيضاء؛ خشونة الأشجار تنشد قساوة الصخور: انسياب النهر إلى الأسفل ينشد جمال الشاطئ القريب. كلّ شيء ينشد جمال ما هو بقربه.
في أي علاقة؟ هذه هي النقطة. إذا كانت علاقة الحبّ صحيحة، وإذا كان ما هو قريب ينشد بشكل جيّد، فإنّ الجمال يظهر على الفور. يمكن أن نعقد مؤتمرًا طويلًا وجميلًا جدًا حول هذا الموضوع، لكنّي أريد أن أتحدث عن يسوع المسيح، لأنّ كلّ هذا مرتبط بيسوع المسيح. لماذا يقول دوستويفسكي إنّ الجمال هو المسيح، بأيّ معنى؟ الجمال ينتج دائمًا عاطفة جماليّة، أي المتعة. الجمال واللذة، وكأنّ الله أراد أن يُظهر بالجمال أنّه يحبّنا، وأنّه يودّنا، ولهذا السبب كلّ شيء جميل.
يتحدّث اليهود كثيرًا عن الجمال. خلق الله الإنسان. وخلق آدم وحواء. وأنتم تعلمون أنّ آدم سمّى الحيوانات بأسماء تدلّ على علمه ولم يجد مثله معينًا. ثمّ أخذ الله ضلعًا وبنى امرأة. يقول اليهود إنّ كلمة “بنى” هي بالفعل كلمة فنّيّة، لخلق الفنّ. تقول كلّ التقاليد إنّها لم تكن هناك امرأة أجمل من حوّاء الأولى. فلما رآها آدم تعجّب: هذه نعم عظم من عظامي ولحم من لحمي. سأسمّيها “إيشاه” لأنّها مأخوذة من إنسان.”إيشاه” بالعبريّة، فارونا بالإسبانيّة، امرئ-امرأة. إمرأة.
عندما يأخذ موسى الشعب ويأتي بهم إلى جبل سيناء، يظهر الله ويقول “أدوناي إلوهينو، أدوناي إِحَد، أنا وحدي” و”ستحبّ الربّ إلهك من كلّ قلبك”. يظهر الله كعريس. الله محبّة. ويقولون إنّ موسى يقدّم الجماعة إلى الله كما قدّم الله حواء إلى آدم، لأنّها ستكون عروس الله. سيتحدّث النبيّ هوشع عن الله كزوج لإسرائيل، ويقارن بين سفر التكوين وهذه اللحظة من العهد. لكن انتبهوا، فبينما تبدو حوّاء الأولى جميلة تمامًا، فإنّ إسرائيل يأتي من مصر، ويأتي من عبادة الأوثان، حيث كانوا في العبوديّة مليئين بالانقسامات، وبينهم الكثير من العرج والعميان. لأنّ الأصنام تستعبدك، لقد كان شعب عبيد. الله، كما يقول الربّانيّون، يغيّر هذا الشعب، هذه الجماعة، ويُقال بأنّه لم يعد هناك أي عرج، لأن الجميع كانوا يسيرون، ولم يعد هناك أي صمّ لأن الجميع سمعوا الكلمة؛ ويقول إنّ شعب إسرائيل خيّم، في صيغة المفرد وليس الجمع: لم يخيّموا بل خيّم. وهذا يعني أنهم أصبحوا واحدًا. لم يستطع الله أن يعطي التوراة لشعب من العبيد، بل قام ببناء جماعة نبويّة تعلن عن الأزمنة المسيحانيّة الجديدة.
سيتمّ تطوير موضوع جمال جماعة إسرائيل عبر التفاسير الربّينيّة من خلال العديد من المدارش. عرف المسيح هذه المدارش. عندما يقدّم تلاميذ يوحنا أنفسهم لربنا يسوع يسألون: “أأنت المسيح أم ننتظر آخر؟”. استمع إلى ما يجيبهم المسيح: “قولوا ليوحنا: العمي يبصرون، والعرج يمشون، والصمّ يسمعون”. لماذا يقول هذا؟ لأنّهم كانوا ينتظرون بالفعل المسيح باعتباره الشخص الذي سينظّم، ليس فقط شعب إسرائيل، بل البشريّة الجديدة، الإنسانية الجديدة.
نفس ما فعله المسيح معنا! جعلنا نسمع كلمته، وفتح آذاننا. لقد فتح أعيننا كما فعل مع الأعمى. فصنع المسيح من لعابه طينًا ووضعه على عينَي الأعمى. وأبصر الأعمى محبّة الله الذي أعطاه البصر. نفس الشيء الذي فعله معنا من خلال التنشئة المسيحيّة. إنّ كلمة الله، التي هي كاللعاب، تنير فقرنا وخطايانا بشكل نبويّ. يصنع الطين ويضعه على أعيننا. فهو يضع خطايانا أمامنا بهذا الطين. ثم يقول لنا: “اغتسلوا”. أصعب شيء هو أن تعتبر نفسك خاطئًا، وهذا لا يمكن أن يتمّ بدون لعاب، أعني كلمة المسيح. وقد غُفرت ذنوبنا جميعها. الآن لم نعد عبيدًا. قد رأينا المحبّة لكم أيّها الخطاة.
انظروا: العمي يبصرون، والصمّ يسمعون، والعرج يمشون، ويمشون لمساعدة الآخرين، والبرص يتطهّرون. لقد جاء المسيح، إنّه علامة قدوم مخلّص العالم، الذي يجعلنا خليقة جديدة. هناك خلق أوّل وإسرائيل يفهم العهد على أنّه خلق جديد. ويأتي المسيح ويعقد معنا عهدًا جديدًا، خليقة جديدة.
هذه الخليقة الجديدة موصوفة في سفر الرؤيا، عندما يتحدّث عن أورشليم الجديدة النازلة من السماء. ويتمّ الحديث عن الجمال. كلّها مشرقة مثل الخطّيبة، مثل العروس. الجمال! إنّه مهمّ جدا. نحن اليوم في عصر نتحدّث فيه عن العولمة. هناك صورة للعالم الذي هو بابل التي هي الزانية الكبرى في سفر الرؤيا.
ولكن مقابل بابل توجد مدينة أخرى: أورشليم السماويّة القادمة من السماء، متسربلة بثياب بيضاء كالعروس، متسربلة بالأعمال الصالحة، متسربلة بالكتّان اللامع. هناك عمل يجب أن نقوم به أمام بابل. الله يدعونا لبناء جمال المسيح. إنّ جسد المسيح هو الذي سيخلّص العالم. جمال المسيح. وما هذا الجمال؟ أورشليم الجديدة: لقد أصبحوا جميعًا جميلين لأنّ المسيح ألبسهم قداسته، وتظهر الجماعة المسيحيّة: الكنيسة كلّها منيرة، أي الحمل الذي ينتصر على الوحش، هذا الجمال سيخلص العالم. العالم ينتظر المسيحيّين. إنّهم ينتظرون رؤية هؤلاء الأشخاص الذين يرون محبّة الله، بينما لا يرى الناس محبّة الله في أيّ مكان. إنّهم ينتظرون هؤلاء الذين يسيرون ليعلنوا الإنجيل مثل الفقراء. إنهم ينتظرون أولئك الذين يستمعون إلى الكلمة، والذين يحبّون بعضهم بعضًا، والذين لديهم قلب واحد: “أحبّوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم، ومن هذا الحبّ يعرفون أنّكم تلاميذي”. فيظهر الجمال وهو المسيح.
في تقليد الكنيسة، هناك جنّة في عدن، وهناك أيضًا جنّة ثانية على جبل سيناء، حيث تظهر أعلاها التوراة كشجرة تحمل ثمرًا، ولكن هناك جنّة ثالثة. هناك جنّة عدن وجنة الرؤيا، حيث تظهر أورشليم الجديدة، حيث توجد شجرة الحياة التي تحمل ثمرًا أبديًّا. ولكن هناك جنّة رابعة: الجلجلة. وهناك البستان الذي صُلب فيه المسيح. في ذلك البستان يوجد قبر، هناك رجل قام، هناك بستانيّ جديد هو المسيح، آدم الجديد، وهناك امرأة جاءت من الزنى تُدعى مريم المجدليّة وعندما تراه تقول: “رابوني” “، تذهب لتحتضنه، لكن المسيح يقول لها “Noli me Tangere” “لا تلمسيني! لأنّي لم أصعد بعد إلى الآب”. هذا النصّ: “لا تلمسيني” مهمّ جدًا، لأنّه يتعلّق بأورشليم الجديدة. “اذهبوا وأعلنوا أنّي أصعد إلى الآب، أبي وأبيكم؛ إلهي وإلهكم”. لقد أعلن لها عن الكريغما، وسوف يقوم بعمل هائل. يأخذ المسيح الطبيعة البشريّة ويُدخلها إلى الثالوث الأقدس.
يقول القدّيس بولس إنّ هناك مرآة في الخليقة، تعكس محبّة الله لنا من خلال الجمال. هناك شيء في الطبيعة يلمسك، هناك جمال، هناك نوع من الوداعة، مثل الطاعة. ما هو الإنسان؟ إنّه صيرورة، إنّه مشروع، إنّه معجزة. الإنسان! الإنسان معجزة. نحن مشروع في حالة تحقّق مستمر، أي في حالة عدم استقرار مستمرّ. ولا يحقّ لنا أن ننزع من الإنسان إمكانيّة تحقيق ذاته كما خلقه الله، لأنّه مشروع في تحقّق مستمر.
يقول القديس بولس في رسالته الثانية إلى أهل قورنتوس إنّ المسيح مات من أجل الجميع، لكي لا يعيش الأحياء فيما بعد لأنفسهم، بل للذي مات وقام من أجلهم. هذت هو مفهوم الإنسان بحسب سفر الرؤيا، وهوتعبير عن الأنثروبولوجيا المسيحيّة: الإنسان، هوعبد الخطيئة، وهو مجبر على تقديم كلّ شيء لنفسه، ذلك لأنّه أضحى عبدًا،بعد أن فقد بُعد الجمال الذي هو الحبّ، أي الخروج من ذاته لكي يحبّ الآخر. إنّ عمل الخلاص يتمثّل في انتشال الإنسان من هذه اللعنة بإعادته إلى جمال المحبّة.
لأجل هذا الإنسان، نحن نجاول إنشاء نوع جديد من الرعيّة؛ نصنع رعايا مرسوم فيها الإكليل الأسراريّ حيث السماء حاضرة، من خلا أهمّ أسرار إيماننا. الكنيسة اليوم ليس لها جمالية محدّدة… وهذا ما دفعنا، بمعنى ما، إلى البحث عن جماليّة. في مدريد، أنشأنا رعيّة ذات سقف ذهبيّ، من الحجر الأبيض والزجاج، مع مركز موعوظين: مجموعة من الغرف تطل على ساحة مركزيّة، مع نافورة. في الطابق الأرضيّ توجد جميع الخدمات الاجتماعية وما فوق، وفي طابق آخر توجد جميع الغرف الخاصّة بكل جماعة، إلخ.
كنت أتحدّث عن الجمال. كلّ إصلاح للكنيسة جلب معه حتمًا تجديدًا جماليًّا: لنفكّر في الفنّ القوطي والباروكيّ… ولم يكن من الممكن أن يكون الأمر خلاف ذلك بالنسبة للمجمع الفاتيكاني الثاني.
حسنًا، نحن في الطريق نريد أن نقدم هذا الجمال، وهو جمال المحبّة في هذا البعد: المسيح (وهو يشير إلى الصليب). ونريد أن نقدّمه في جماعة مسيحيّة، لأنّنا نفكر… لأنّ المسيح يقول: “أحبّوا بعضكم بعضًا، أحبّوا بعضكم بعضًأ”، ولكن أن نحبّ من؟ عاش المسيحيّون الأوائل في جماعات صغيرة، وكانوا جميعًا يعرفون بعضهم البعض. لا يمكن للجماعة أن تكون كبيرة جدًّا، لأنّ المهمّ هو أن نعطي علامة للحبّ وأن نُظهرها بطريقة علنيّة. عدد إخوة الجماعة هو 30، 40، لأنّنا بحاجة إلى تقديم شهادة محبّة ملموسة. ولا بدّ أن تعود صرخة الوثنيّين: “انظروا كيف يحبّون بعضهم البعض”، هكذا صرخوا عندما كانوا يرَون المسيحيّين. لأنّ المسيح في الإنجيل يقول: “أحبّوا بعضكم بعضًا، أحبّوا بعضكم بعضًا، أحبّوا بعضكم بعضًا”. هذا هو الجمال الذي يخلّص العالم: الحبّ في بُعد الصليب. إنّه يوضح أنّنا إذا أحببنا بعضنا البعض في بعد حبّ العدوّ، فلدينا حياة أبديّة في داخلنا. لأنّه بخلاف ذلك، من المستحيل أن نحبّ بعضنا البعض بهذه الطريقة، ولكن ذلك ممكن لأنّ الله أعطانا الإيمان في الداخل، والإيمان يمنحنا الحياة الأبديّة، الحياة الخالدة… لدينا شيء في الداخل يدعمنا، ويثبّتنا، وهو حياة الله. فينا حياة المسيح، انتصاره على الموت فينا، وهو هبة من الروح القدس. في الحقيقة ما يجب أن نعلنه هو قيامة المسيح الحاضر فينا.
نريد أن نكون طريقًا جديًّا، طريقًا جديًّا، لأنّنا على وشك خوض معركة كبيرة مع العالم، مع الشيطان، مع التنّين العظيم! نحن هم المرأة التي تلد طفلًا ذكرًا، مهدّدًا من قبل التنّين العظيم الذي هو أمير هذا العالم. كان اليهود يقولون إنّ الشيطان ينتصر دائمًا في العالم. شيء مثير للاهتمام، هل فهمتم؟ بدا أنّ النازيّة أوّلًا ومن ثمّ الشيوعية قد غزت كلّ شيء، كلّ شيء، أممًا بأكملها. نحن نفهم لماذا تسير أوروبا كلّها إلى الجحود اليوم، ونحن نفهم لماذا هناك علمنة كاملة!. هنا يبدو أنّ الشيطان ينتصر دائمًا، لأنّه في هذا العالم ليس للمسيح مكان يسند فيه رأسه، ومعه المسيحيّون. لكنّنا مع المسيح انتصرنا على الموت ولدينا فرح عظيم، ولهذا يجب أن نعلن محبّة الله لنا ونشهد لها، لأنّ الله أعطانا الحياة الأبديّة في داخلنا.
يقول المسيح: “أحبّوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم”. لقد أحبّنا المسيح، وبهذا الحبّ سيعرف الوثنيّون العلمانيّون المحيطون بنا أنّكم تلاميذي. لقد أحبّنا المسيح في بُعد محبّة العدوّ، أي أنّه لم يقاوم شرّنا. تقول الموعظة على الجبل: “لا تقاوموا الشرّ”. “أحبّوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، باركوا الذين يضطهدونكم”. ما هذا؟ المسيحيّة!
لأن النقطة هي: ماذا يعني أن تكون مسيحيًّا اليوم، وماذا يجب أن نشهد له؟ يقول القدّيس بولس: “لنحمل دائمًا وفي كلّ مكان ميتة المسيح يسوع”. موت المسيح الذي مات مصلوبًا – يقول – “إنّنا نحمل في أجسادنا دائمًا وفي كلّ مكان طريقة الموت، لكي نرى أن المسيح حيّ في جسدنا”. لقد تحدّث المجمع الفاتيكانيّ الثاني عن الكنيسة، سرّ الخلاص الشامل.. لقد أظهر لنا المسيح عدالة ًهي عدالة المحبّة في بُعد الصليب.
الجمال سيخلّص العالم، وهو المسيح الذي يعيش في المسيحيّين، في الجماعات المسيحيّة. لقد أخبرنا الكرسيّ الرسوليّ أنّنا لا نريد إنشاء جمعيّة، بل نريد أن نحمل هذه الرسالة إلى الكنيسة: إنّه لأمر رائع أن نعيش الإيمان في جماعة مسيحيّة في الرعايا.
إنّ أجمل ما في الجماعات هو أنّنا رأينا عمل الله في الإخوة والأخوات، حيث يغتني الجميع بالخير. الكلّ في الكل. هناك ثراء مشترك ومستمرّ في الجميع. إنّه لأمر رائع أن نرى العميان يرَون محبّة الله في حياتهم. لقد انتصر المسيح على الموت، فلا ننظر إلى الموت برعب، ولا إلى الشيخوخة، ولا إلى المرض. وهذا لا يعني أننا صالحون جدًّا، بل أنّنا جميعًا خطاة فقراء.
وفي قيامة يسوع المسيح أظهر الله شيئًا عظيمًا، أنّ هذا الذي قام من الأموات وصعد إلى السماء، جعله الله كيريوس. وكلمة كيريوس هي كلمة الله على جبل سيناء. فهذا الرجل الذي مات على الصليب من أجلنا هو الله نفسه.
لقد مات المسيح ليُخرج الإنسان من دائرة الأنانيّة هذه، فلا يحيا فيما بعد لنفسه، بل للذي مات وقام من أجله، أي المسيح الجمال الإلهيّ الذي صار إنسانًا، والذي صار واحدًا منّا، لكي يمكن للإنسان أن ينال مجد الله
الكاردينال غريغوج ريّس
رئيس أساقفة لودز، بولندا
السادة الكرام، الإخوة والأخوات، عزيزي كيكو!
نحن جميعًا هنا مقتنعون بالتأكيد بهذه الصيغة “إلى الله من خلال الفنّ”.
علاوة على ذلك، نجتمع معًا لمكافأة الرجل الذي جعل هذه الصيغة أحد مبادئ حياته.
والأكثر من ذلك، يجب أن نقول إنّ هذا المبدأ ليس واضحًا للجميع. وهذا “اللابداهة” له عدّة وجوه:
بادئ ذي بدء، يمكن أن يكون له وجه الفنّ، الذي يريد بقرار مسبق أن لا يكون له أي علاقة بالله. وقد ذكر جوناثان ساكس ذلك بشكل مناسب وقوي في كتابه “استمرار الإيمان”: لقد عاش الفنّ والإيمان لقرون عديدة في عالم واحد. زواج متناغم ولكنّهما الآن مطلّقان! وكما يحدث عادةً في حالات الطلاق، فإنّ السبب لا يكون أبدًا في جانب واحد فقط. إنّ الطلاق بين الإيمان والثقافة يرجع أيضًا إلى عدم نضج إيمان المسيحيّين. الإيمان الناضج، كما قال القدّيس يوحنا بولس الثاني، يُترجَم دائمًا إلى ثقافة!
ثانيًا، يمكن للفنّ أن يصبح – وغالبًا ما يكون كذلك – غاية في حد ذاته. وهذا يعني أنّ الفنّ قد لا يريد أن يصل إلى أيّ شخص آخر غير نفسه، ولكنّه يتطلّب التركيز الكامل على نفسه. وقد حذّر القديس الأخ ألبرت (آدم شميلوسكي)، أحد أفضل الرسّامين البولنديّين في القرن التاسع عشر، من هذه الظاهرة، متحدّثًا عن “سيدّة الفنّ” التي تتطلّب عبادة وثنيّة لنفسها.
ثالثًا، على مرّ القرون، لم يكن هناك نقص في الأصوات الناقدة في الكنيسة تجاه الفنّ الدينيّ والمقدّس ومتطلّباته. عندما تمّ الاعتراف بتكريم الأيقونات في مجمع نيقية الثاني، في الغرب المسيحيّ، في بيئة شارلمان، أثيرت سلسلة من الشكوك. المجموعة الأكثر اكتمالًا هي تلك الموجودة في كتب كاروليني، بقلم ثيودولف الأورلياني: لم يأمر يسوع الرسل برسم الصور، بل بالتبشير بالكلمة. لماذا؟
لأنّ الكلمة لا تربط الخيال البشريّ بقوة الصورة! نحن نعرف هذا. وأعتقد أن هذه هي تجربتنا المشتركة. أنا (على سبيل المثال) عرفت منذ أن كنت طفلًا أنّ الله الآب هو بالأحرى رجل عجوز جدّيّ في السحاب، له لحية، وله صولجان وفي يده كرة كرويّة – رأيته هكذا على سقف كنيستي الرعويّة (مرّة واحدة في الأسبوع، وأحيانًا كلّ يوم) – ويكاد يكون من المستحيل تحرير نفسك من هذه الصورة.
في الواقع، كما يقول تيودولفو، للفنّ قيمة تعليميّة (litteratura illitteratorum)، ولكن فقط فيما يتعلّق بالكلمة. صورة غير مُفسّرة لامرأة جميلة يمكن أن تمثل أيضًا مريم على أنّها فينوس (الزهرة)…
رابعًا، التركيز على الفنّ قد يؤدّي إلى عكس الأولويّات. وتحدّث عنها القديس برنارد كليرفو بقوّة كبيرة في تاريخ الكنيسة: “الكنيسة تتلألأ بالذهب وربّها له ظهر عاري” – الكنيسة تتلألأ بالذهب – لها مذابح ومزهريّات وشمعدانات ذهبيّة، بينما ربّها – يسوع في شخص الرجل الفقير – تشرق بظهر عاري: لم يُعط قميصًا لأنّ كل الأموال أنفقت على تزيين الهيكل.
أذكر كلّ هذه الاعتراضات ليس ضدّ مبدأ “per “أرتيم أَد ديوم”، بل لأظهر أنّ عيشه بشكل صحيح ليس بالأمر السهل على الإطلاق: فهو لا يتطلّب الموهبة فحسب، بل يتطلّب أيضًا الجهد والتمييز وانضباط الفقر والصلاة واليقظة. وبالتالي فإنّ الجائزة الممنوحة اليوم لا تتعلّق فقط بالقدرات الفنيّة، بل أيضًا بجذريّة الحياة الإنجيليّة.
الطريق إلى أرتيم أد ديوم ليس سهلًا، ولكن طوبى لمن يسير فيه ويرشد الآخرين إليه. إنّها طريق الله، الله نفسه يُعدّها ويتبعها تجاه الإنسان. إنّ الطريق البشريّ لكلّ “إلى الله من خلال الفنّ” هو أولًا وفي الأصل طريق الله لكلّ “إلى الناس من خلال الفنّ”. يتحدّث عنه كتاب الحكمة بطريقة رائعة: “لأنّه من الجمال العظيم للمخلوقات يتمّ التأمّل في صانعها عن طريق المقارنة” (حك 13: 5). قبل بيتين دُعي هذا الصانع “صانع الجمال”. إنّ الجمال الذي يخلقه يهدف إلى أن يقودك نحوه.
ولكن يحدث أيضًا، كما يعترف الكاتب الملهم، أنّ الجمال يقف بين الله والناس، فيبدأون في عبادة الخليقة: “إنّهم يستسلمون للمظهر، لأنّ المنظر جميل” (الآية 7). لكنّ الخطيئة والانحراف ليسا الكلمة الأخيرة في تاريخ البشريّة. الجواب لهم هو الخلاص!
يتحدّث يوحنا بولس الثاني في “رسالته إلى الفنّانين” عن “الجمال الذي يُخلّص”؛ يقول صاحبنا الحائز اليوم عل الجائزة نفس الشيء – على غرار دوستويفسكي. ونحن نعلم ذلك جيدًا: الخلاص هو عمل الله، ويتحقّق بفضل من هو”الأجمل بين بني الإنسان”. طريق الجمال (طريق pulchritudinis) هو طريق خلق الله وخلاصه لجميع البشر. ليس لفئة قليلة من الفنّانين، بل لكلّ خاطئ. هذا هو الكيريغما النهائيّ لكيكو.
شكرًا لإصغائكم.
المونسنيور سيغوندو تيخادو
مساء الخير للجميع، صاحب السيادة، صاحب السعادة، أيّها الأصدقاء!
لقد كُلِفت بمهمّة عرض توضيحيّ لإعمال كيكو. لم يكن الأمر سهلًا، لم يكن سهلًا، بالتأكيد تمّ نسيان شيء ما لأنّه فَعلَ الكثير، في العديد من الأجزاء، والعديد من الأعمال التي أصبح من الصعب حقًا قياسها كمّيًّا. سأكون طويلًا بعض الشيء، ليس كثيرًا، لا تقلقوا، ولكن يبدو من المهمّ بالنسبة لي أن أدعوكم اليوم هنا في هذا المكان، في هذه اللحظة، لكي نقوم برحلة صغيرة، حيث أخذه الله في تاريخه ليصل حتى اليوم، إلى هذه الجائزة.
كيكو أرغويّو
هو رسام إسبانيّ، وُلد في ليون في 9 كانون الثاني/يناير 1939. درس في المدرسة المركزيّة للفنون الجميلة في أكاديميّة سان فرناندو في مدريد. شارك في العديد من المعارض ومسابقات الرسم في إسبانيا وفي عام 1959 حصل على جائزة الرسم الوطنيّة الاستثنائيّة.
وفي نهاية الخمسينيات، عاش أزمة وجوديّة قادته إلى لقاء عميق مع يسوع المسيح، ممّا دفعه إلى تكريس حياته وفنّه للمسيح والكنيسة. قام مع الأب أغيلار، في عام 1960، برحلة إلى أوروبا، قبل بدء المجمع الفاتيكانيّ، لدراسة الفنّ المقدس على وجه التحديد في ضوء الدعوة المجمعيّة. في أعقاب هذا التجديد، قام بتغيير أساليب فنّه وشكّل مع نحّات وصانع زجاج مجموعة فنيّة مقدّسة تُدعى “جريميو 62” والتي أقامت سلسلة من المعارض في مدريد ورويان (فرنسا) ولاهاي (هولندا).
في عام 1964 ألهمه الرب أن يذهب ويعيش بين الفقراء في كوخ في بالوميراس ألتاس في ضواحي مدريد، متخليًا عن مسيرته الواعدة كفنان. وفي وقت لاحق، التقى بكارمن هيرنانديث، وهي مُرسلة تخرّجت في الكيمياء واللاهوت، وهي اليوم خادمة لله، وأعطى معها الحياة لشكل جديد من الوعظ الذي سيؤدّي إلى ولادة جماعة مسيحيّة بين الفقراء: أولى جماعات طريق الموعوظين الجديد. وستُنقل هذه التجربة شيئًا فشيئًا إلى الرعايا. تبدأ البذرة الصغيرة في النموّ في إسبانيا، وبعد تجربة كيكو بين الفقراء في ضواحي روما، في بورغيتو لاتينو، في إيطاليا وفي جميع أنحاء العالم. طريق الموعوظين الجديد موجود اليوم في 136 دولة، في حوالي 1300 أبرشيّة وأكثر من 6200 رعية.
إنّ فنّ كيكو، منذ بداية تجربة ولادة الجماعات الأولى، سيكون هدفه هو الحاجة إلى توفير أماكن مناسبة وجديرة للاحتفال بالتجديد الذي يقدّمه المجمع الفاتيكانيّ الثاني للكنيسة. من خلال طريق الموعوظين الجديد، تمّ إنشاء مجموعة من الهيكليّات لتنفيذ هذا التجديد في خدمة الجماعات المسيحيّة.
وجد كيكو في فنّ الكنيسة الشرقية، الأيقونات، التعبير الأنسب للتجربة التي يعيشها. لقد اندهش من روحانيّة هؤلاء الرسّامين الذين، من خلال نبذ “إبداعهم الشخصيّ” والخضوع للقانون الذي حدّده تقليد الكنيسة مسبقًا، وجدوا الطريق إلى فنّ وروحانيّة أعلى بكثير. يتبع كيكو قانون رسم الأيقونة الأرثوذكسيّ، ويطوّره مع تطوّرات الرسم الحديث – مثل بيكاسو وماتيس – التي تدرّب عليها.
في عام 2000 أنشأ كيكو مدرسة للرسّامين لإنشاء دورات رسم في الكنائس، كما سنرى أدناه، وفي عام 2018 تمّ إنشاء مؤسّسة كيكو أرغويّو للعمل الفنّي، بهدف الحفاظ على أعمال كيكو الفنيّة ونشرها.
فنّ العمارة والرسم
يبدأ كيكو أرغويّو في استلهام نوع جديد من الرعيّة، مفضّلًا الانتقال من كنيسة رعويّة ضخمة إلى كنيسة “جماعة الجماعات”، ممّا يوفّر تجديدًا كاملًا: من الهندسة المعماريّة إلى الأيقونيّة، ومن أماكن الاحتفال والاجتماعات بين الناس، وقد دعاه شخصيًّا باسم Catecumenium، إلى العناصر الخاصّة بالليتورجيا.
وهكذا نجد أعمال كيكو الفنيّة في مختلف الرعايا:
لا بالوما (مدريد)
سان بارتولوميو في توتو في فلورنسا
سانتا كاتالينا لابوري (مدريد)
العائلة المقدسة (أولو – فنلندا)
كاتدرائية سيدة العرب – البحرين
وفي كنائس/رعايا أخرى، يرسم حلقات متسلسلة من الرسومات، مثل “الإكليل الأسراريّ” و”ريتابلوس”، بهدف تعزيز الاحتفالات الليتورجيّة، بحسب التقليد الشرقيّ.
كاتدرائية مدريد (الحنية وكنيسة نويسترا سينيورا ديل كامينو)
جدرانيّة رعيّة سانتياغو (أفيلا)
كنيسة فوينتيس ديل كاربونيرو مايور (سيغوفيا)
في روما: سرداب وقاعة رعيّة الشهداء الكنديين المقدّسين، ورعيّة سانتا فرانشيسكا كابريني، وسان لويجي غونزاغا، والناتيفيتاه
القاعة الليتورجيّة في رعيّة سان فرونتيس (زامورا)
في مدريد: كنيسة وقاعة رعيّة نوسترا سينيورا ديل ترانزيتو، وسان خوسيه، وسان روكي، وسان سيباستيان.
قاعة رعيّة بون نوفيل (باريس)
جنبًا إلى جنب مع المدرسة التصويريّة التي أنشأها، قام بإنشاء العديد من الدورات التعليم الرسم:
رعيّة الثالوث الأقدس (بياتشينزا)
رعيّة القديس جيوفاني باتيستا (بيروجيا)
رعيّة سانتيسيما ترينيداد، (س. بيدرو ديل بيناتار مورسيا)
رعيّة سان ماسيميليانو م. كولبي (روما)
كنيسة القديس فرنسيس كزافييه (شنغهاي – الصين)
رعيّة البيلار (فالديمورو – مدريد)
كنائس تروينا، كالياري، ميستري، فيرونا، الخ.
كنيسة دير كارميليتا س. خوسيه (مازارون-مورسيا)
مراكز طريق الموعوظين الجديد
بالإضافة إلى الكنائس والقاعات الليتورجيّة في الرعايا، أنشأ كيكو مراكز طريق الموعوظين الجديد وبيوتًا للمعايشات: أماكن التقاء بين مبشّري الطريق والإخوة والأبرشيّات:
مراكز الموعوظين الجديد في مدريد وروما
مركز خادم الربّ (بورتو سان جورجيو)، وهو مكان اجتماع لإرسال المبشّرين المتجوّلين إلى الأمم. في عام 1988، احتفل فيه القديس يوحنا بولس الثاني بالافخارستيّا وأرسل العائلات الأولى في الرسالة. في هذا المركز، أنشأ أول معبد للكلمة، وهو مكان لدراسة وتفحّص الكتاب المقدس، مُزيّن بنوافذ زجاجيّة ملوّنة أصليّة.
مركز “بيت الجليل” الدوليّ على جبل التطويبات في الأراضي المقدسة. استجابة لحدس كارمن هيرنانديث لبناء مركز تنشئة للكهنة والمبشّرين في الأراضي المقدسة، قام كيكو بإنشاء وبناء Domus Galilaaee. وأعرب القديس يوحنا بولس الثاني – الذي زار هذا البيت وبارك أعماله في عام 2000 – عن أمله في أن يتمكّن هذا البيت “من تعزيز التنشئة الدينيّة المتعمقة والحوار المثمر بين اليهوديّة والكنيسة الكاثوليكيّة”. والدليل على كلّ ذلك هو آلاف الزيارات التي قام بها كلّ من اليهود والفلسطينيّين – الذين أذهلهم جمال البيت وكرم ضيافته – بالإضافة إلى الاجتماعات الدوليّة للأساقفة وحتى الربّانيّين. وقد وُضع فيه منحوتة هامّة للمسيح مع الرسل وتمثال القديس يوحنّا بولس الثاني.
بيوت المعايشات ومراكز طريق الموعوظين الجديد في بلدان مختلفة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا.
إكليريكيّات أمّ الفادي
ألهم الربّ كيكو وكارمن ضرورة مساعدة الكنيسة في هذا التجديد من خلال إنشاء أول مدرسة إكليريكية إرساليّة “أم الفادي” في روما، مع القديس يوحنا بولس الثاني، وقد تبعه أساقفة آخرون، الذين سيفتتحون إكليريكيّة أم الفادي في أبرشيّاتهم، وقد وصل عددها إلى 120. لقد صمّم كيكو النموذج المعماريّ للعديد من هذه الإكليريكيّات:
إكليريكيّة أمّ الفادي في ماشيراتا- إيطاليا
- إكليريكيّة أمّ الفادي في وارسو (بولندا)
إكليريكيّة أم الفادي في ماناغوا (نيكاراغوا)
كنيسة إكليريكيّة أم الفادي في مدريد
التخصّصات الفنيّة الأخرى
الأخرى بالإضافة إلى هذه الأعمال المعماريّة والرسم والنحت، تعامل كيكو مع مجالات فنيّة أخرى: النوافذ الزجاجيّة الملونة، والمنسوجات الليتورجيّة، الصلبان، والكؤوس، وأغلفة الكتاب المقدس، وكتب الإنجيل، وما إلى ذلك، دائمًا بهدف خدمة الجماعة المسيحيّة في مسيرتها الإيمانيّة.
النوافذ الزجاجيّة الملوّنة في كاتدرائية مدريد (إسبانيا)
نوافذ زجاجية ملوّنة في مركز بورتو سان جورجيو الدوليّ (إيطاليا)
النوافذ الزجاجيّة الملوّنة في إكليريكيّتيّ روما ومدريد
النوافذ الزجاجيّة الملوّنة في دوموس غاليليي (الأراضي المقدّسة)
الموسيقى
حتى من خلال الموسيقى، يبحث كيكو عن طريقة لإعلان الإنجيل لإنسان اليوم: فهو يضع دعوته الفنيّة في خدمة الكنيسة والليتورجيا من خلال تلحين المزامير، ومقاطع من الكتاب المقدّس، وتراتيل الكنيسة الأولى، وكذلك قصائد مأخوذة من كتاباته: أكثر من 200 مقطوعة موسيقيّة لمرافقة وإثراء الاحتفالات الليتورجيّة لجماعات طريق الموعوظين الجديد.
في عام 2010، قام كيكو بتأليف سيمفونيّته الأولى، “معاناة الأبرياء”، وفي نفس العام، أسّس الأوركسترا السيمفونيّة لطريق الموعوظين الجديد، وهو فريق دوليّ يتكوّن من حوالي 200 موسيقيّ. عُرضت هذذه السيمفونيّة في جميع أنحاء العالم: في المسارح الكبرى وقاعات الحفلات الموسيقيّة والساحات والكاتدرائيّات: من مدريد إلى نيويورك؛ من شيكاغو إلى طوكيو؛ ومن برلين إلى القدس؛ من بودابست إلى لوبلان؛ من أوشفيتز إلى تريستا، الخ. بعد السيمفونيّة الأولى، ألّف كيكو مقطوعة موسيقيّة ثانية، وهي قصيدة سيمفونيّة من ثلاثة أجزاء بعنوان “المَسيّا”.
أدّت أعمال كيكو التبشيريّة والفنيّة إلى منحه الدكتوراه الفخريّة من أربع جامعات كاثوليكيّة: روما ولوبلان وواشنطن ومدريد.
كيكو أرغويّو، منذ تحوله، ينظر إلى فنّه على أنّه رسالة. هذا المفهوم للفنّ المقدّس يعيده إلى مكان دعوته الأصليّة: الهيكل. لقد انتقل الفنّ المقدّس من المكان المقدّس إلى المتحف، إلى قاعة العرض، إلى صالونات جامعي الأعمال الفنيّة، وبالتالي ألغى قيمته الدينيّة والطقوسيّة. يعيد كيكو العمل الفنّي إلى الليتورجيا. في جماعة حيّة، جماعة تحتفل بأسرار الخلاص.
هناك تفصيل أود ّأن أتذكره هنا: قام كيكو بإبعاد الفنّ عن سياق البيزنيس: فهو لا يتقاضى أيّ شيء مقابل أعماله: إنّه يبحث عن الفنّ للفقراء، والليتورجيا. إنّه يجعل الفنّ يحقّق رسالته الحقيقيّة والعليا: أن يحمل قلب الإنسان إلى أورشليم السماويّة، ليختبر المحبةّ التي أظهرها لنا الله في المسيح المتجسّد [يشير إلى أيقونات اللوحة الجداريّة المختلفة واحدة تلو الأخرى]، المولود والمتجسّد، الذي دخل في آلامه، والذي أسّس الإفخارستيا، ومات، وقام، وصعد إلى السماء عن يمين الله، والذي أرسل لنا روحه، مع مريم العذراء، وسيأتي قريبًا في نهاية الدهر في المجد، كما يذكّرنا البانتوقراط وزمن المجيء الذي بدأناه اليوم.
رئيس تارجي كيلشي، ساكرو إكسبو، السيّد أدرزيش موخون
السيّدات والسادة،
يُسعدني أن أهنّئكم بهذه المناسبة الفريدة من نوعها. منذ أكثر من 25 عامًا، نقوم بتنظيم معرض “سكريسبو” الدوليّ في كيلسي، وهو حدث يجمع بين المجال المقدّس وعالم الشركات. ويشارك في هذا الحدث كلّ عام ضيوف مهمّون من عالم الثقافة والدين، ممّا يوفر مساحة للحوار والتبادل.
وبهذه الروح، فإنّنا نمنح جائزة Per Artem Ad Deum منذ عام 2005. وهذه هي الجائزة الوحيدة التي يرعاها المجلس البابويّ للثقافة من عام 2005 إلى عام 2022. وتُمنح الجائزة للفنّانين أو المؤسّسات التي يساهم نشاطها الفنّي في تطوير الثقافة وتكوين الروحانيّة الإنسانيّة.
لقد بذلت في السنوات الأخيرة جهودًا عديدة لمواصلة هذا التقليد العظيم. في عام 2017، وكجزء من جائزة Per Artem Ad Deum، عزّزنا تعاوننا من خلال التوقيع على خطاب نوايا مع الكاردينال جيانفرانكو رافاسي، الذي كان في ذلك الوقت رئيسًا للمجلس البابويّ للثقافة. في عام 2022، بعد إنشاء دائرة الثقافة والتعليم، تمكنّا من إقامة تعاون مع عميد الدائرة، الكاردينال خوسيه تولينتينو كالاكا دي ميندونسا. وبفضل هذا التعاون، سيحصل الخرّيجون المستقبليّون على ميداليّة تحت رعاية المديريّة الجديدة.
أنا فخور بأن أقول إنّه على مدى السنوات الـ 19 الماضية، قمنا بالفعل بتكريم 31 شخصيّة بارزة، بما في ذلك الملحّنين إنيو موريكوني وأرفو بارت وفويتشخ كيلار وكرزيستوف بينديريكي، والمخرجين جوزيبي تورناتور وكرزيستوف زانوسي، والمهندسين المعماريّين ستانيسلاف نيمشيك وماريو بوتا، والنحّاتين أرنالدو بومودورو ووينسينتي كوتما، وأيضًا الرسّامين البولنديّين تاديوش بوروتا، البروفيسور. ستانيسلاف رودزينسكي وجيرزي جان سكوبسكي، بالإضافة إلى أهمّ فنّاني الفسيفساء المعاصرين ألكسندر كورنوخوف. لقد تجاوزت هذه الشخصيّات الزمان والمكان بأعمالها وأرشدتنا نحو المتعالي.
يسعدنا اليوم أن نكون قادرين على تقديم جائزة Per Artem Ad Deum إلى كيكو أرغويّو. نريد أن نؤكّد على مساهمته الحاسمة في الفنّ المقدس والتزامه الشديد بعمل التبشير الذي تمّ التعبير عنه في جماعات طريق الموعوظين الجديد. يتجاوز عمل كيكو النشاط التقليديّ للإبداع الفنيّ. من خلال الرسم، الذي يُفهم على أنّه انعكاس لنور الله، والموسيقى، وهي لغة عالميّة قادرة على فتح القلب لبعد الروح، يجد كيكو طريقة لإعلان الإنجيل للإنسان المعاصر. يضع دعوته الفنيّة في خدمة الكنيسة وليتورجيّتها، فيؤلّف موسيقى تعتمد على المزامير ومقاطع أخرى من الكتاب المقدّس، وتراتيل الكنيسة الأولى، بالإضافة إلى قصائد روحية مأخوذة من كتاباته. كيكو أرغويّو هو مؤلف كتب، بالإضافة إلى أعمال مهمّة في الرسم والهندسة المعماريّة والنحت في جميع أنحاء العالم.
إنّه لمن دواعي سروري حقًا أن أقوم اليوم شخصيًّا بمنح كيكو أرغويلو وسام Per Artem Ad Deum لعام 2024. وهذا التكريم، الذي ترعاه دائرة الثقافة والتعليم، يحتفل بجميع إنجازاته في مجال الفن.
عزيزي كيكو أرغويّو، أودّ أن أهنئك من أعماق قلبي وأشكرك على مساهمتك الهائلة في تطوير الفنّ المقدس وعلى التزامك بجميع أنشطة طريق الموعوظين الجديد. أتمنّى أن يستمر عملك في إلهام قلوب الناس حول العالم وتحويلها.
إيزيكييلي باسوتي
أعمال كيكو الفنيّة
إنّ الحديث عن أعمال كيكو أرغويّو الفنيّة أمر معقد للغاية، ليس فقط من الناحية الشكليّة، لأنّه يتراوح من الرسم إلى الهندسة المعماريّة، ومن الغناء إلى الموسيقى متعدّدة الألحان، ومن التعليم المسيحيّ، وبالتالي من اللاهوت، إلى الشعر، ويلامس عالمًا من الموسيقى. تعابير ومحتويات ليس من السهل فهمها وتأليفها في سيناريو واحد. فعلى الرغم من أنّ كيكو ألّف فنّه بشكل جيد في إطار الليتورجيا، وفي إطار التجديد الليتورجيّ الذي أراده المجمع الفاتيكاني الثاني، حاول خصوصًا أن يفهم المنظور المتسامي لـ “الليتورجيا الإلهيّة”، لصالح التنشئة المسيحيّة، ولمسار التنشئة المسيحيّة، الذي يقود المؤمنين، حتى الأفقر والأبعد عن الكنيسة، والأكثر جهلًا بأيّ تنشئة، إلى اللقاء مع الآخر، مع الآخر بامتياز، الذي هو الله نفسه.
في عمله، يتمّ وضع كلّ شيء في خدمة الإله: من المجانيّة إلى اللون، من لمسة الجيتار إلى ترتيب الاحتفال الجماعيّ، من تكوين العناصر الليتورجيّة المختلفة إلى تفاصيل الصينيّة، وكأس الخمر، والصليب… وكلّ هذا، يقوده الإلهام العميق الذي يأتي من محبّة الجمال، لربّ الجمال، يسوع المسيح القائم من بين الأموات، المنتصر على الموت، الذي يسكب هذا الجمال على الجماعة التي تحتفل وعلى المشاركين الأفراد الذين، يقبلون بأن يغزوهم هذا السرّ الإلهيّ، فيقدّمون أنفسهم كهبة لبعضهم البعض، في داخل الجماعة المسيحيّة… وبحسب كلمات السيدة العذراء القدّيسة التي ألهمت هذه التنشئة المسيحيّة لـِ كيكو، “الآخر هو المسيح”، الإلهيّ المتجسّد، والجمال الذي صار إنسانًا، واللغز الذي يصبح عيد الفصح، في سحر الليل الذي ينتظر الفجر، ومجيء اليوم الثامن الأخير الذي يفتتح السماء.
لا يمكن فهم فنّ كيكو إلا ضمن غنى سرّ الفصح هذا: السرّ الإلهيّ الذي صار جسدًا، بحيث غطّى بظلال الألوان، ونغمات الأغاني والسيمفونيّات، وأشكال الحجارة والشعر. وقبل كلّ شيء، أن ينطلق نحو السماء، نحو تحقيق دعوته الأخيرة: الله.
قال رئيس “Fondazione Opera Artistica Kiko Argüello”، مونسينيور سيجوندو تيخادو، أثناء تقديم أعمال كيكو بمناسبة جائزة “Per artem ad Deum 2024″، التي منحتها له جمعية Sacraexpo في 1 كانون الأوّل/ ديسمبر 2024: “منذ اهتدائه، يرى كيكو أرغويّو فنّه كرسالة. بهذا المفهوم للفنّ المقدّس، يعيده إلى مكان دعوته الأصليّة: الهيكل. لقد انتقل الفنّ المقدّس [على مدى القرون القليلة الماضية] من المكان المقدس إلى المتحف، إلى غرفة العرض، إلى صالون جامعي الأعمال الفنيّة، ممّا ألغى قيمته الدينيّة والطقوسيّة. يعيد كيكو العمل الفنّي إلى الليتورجيا. في جماعة حيّة، جماعة تحتفل بأسرار الخلاص”.
وأضاف: “هناك تفصيل أود أن أتذكّره هنا: قام كيكو بإبعاد الفنّ بعيدًا عن سياق البيزنيس: فهو لا يتقاضى رسومًا مقابل أعماله: فهو يبحث عن الفنّ من أجل الفقراء، ومن أجل الليتورجيا. إنّه يجعل الفنّ يحقّق رسالته الحقيقيّة والعليا: أن يحمل قلب الإنسان إلى أورشليم السماويّة، ليختبر المحبّة التي أظهرها لنا الله في المسيح المولود، والمتجلّي، والميت، والقائم، والصاعد إلى السماء عن يمين الله، الذي أرسل لنا روحه والذي سيأتي قريبًا في نهاية الزمان بمجد، كما يذكرنا زمن المجيء الذي بدأناه اليوم”.
قال المونسنيور سيغوندو هذا، مشيرًا، واحدة تلو الأخرى، إلى الأيقونات المختلفة التي تشكّل اللوحة الكبيرة التي رسمها كيكو في كنيسة إكليريكيّة ريدمبتوريس ماتر، حيث أقيم حفل توزيع جائزة ساكراكسبو. ومن المهمّ جدًا التأمّل بنظرة واحدة في الأسرار التي توضحها الأيقونات: إنّ تاريخ الخلاص بأكمله هو الذي يصبح حاضرًا بعباءة من الألوان ووبغلاف من الذهب الذي يحدّد اللوحات الفرديةّ والذي، في المنظور النموذجيّ للفنّ البيزنطيّ، يأخذك داخل اللوحة، ويجعلك تشارك فيما تعلنه الأيقونة.
يصعب الهروب من الانبهار وعدم فهم كامل السنة الليتورجية التي تحكي وتتأمّل باحتفالاتها سرّ الفصح الذي أكمل تاريخ الخلاص ويوجّهه نحو فعله الأخير: الضابط الكلّ الذي يعلن في اللوحة التي يحملها بين يديه: “أحبّوا أعداءكم. سآتي قريبًا.”
مرّة أخرى، كما قال المونسنيور سيغوندو، مُثريًا أفكاره: “إنّ فنّ كيكو، منذ بداية تجربة ولادة الجماعات الأولى، سيكون موضوع بحثه هو الحاجة إلى توفير أماكن احتفال مناسبة وجديرة بالتجديد الذي يقدّمه المجمع الفاتيكاني الثاني للكنيسة. من خلال طريق الموعوظين الجديد، يتمّ إنشاء مجموعة من البُنى لتنفيذ هذا التجديد في خدمة الجماعة المسيحيّة. يجد كيكو في فنّ الكنيسة الشرقيّة، الأيقونات، التعبير الأنسب للتجربة التي يعيشها. إنّه مندهش من روحانيّة هؤلاء الرسّامين الذين، من خلال نبذ “إبداعهم الشخصيّ” والخضوع للقانون الذي حدده تقليد الكنيسة مسبقًا، وجدوا الطريق إلى فنّ وروحانيّة أعلى بكثير. يتبع كيكو قانون الرسم الأرثوذكسيّ، ويحدّثه مع تطورات الرسم الحديث – مثل بيكاسو وماتيس – التي تدرّب عليها”.
ولا يُرى عمل كيكو في الرسم فحسب، بل أيضًا في الهندسة المعماريّة، وفي الغناء، وفي الموسيقى السمفونيّة، في الكتابات، وفي تصميم تركيبة للمساحة الاحتفالية للجماعة ا تسمح لأعضائها وتشجّعهم على المشاركة الحقيقية والجذابة في الأسرار التي تحتفل بها الليتورجيا.
وهذا ما أكده كيكو نفسه في كلمته القصيرة، حيث قال باقتناع: “إنّ الأمر الأكثر أهميّة من كلّ أعمالي الفنيّة هو فتح طريق التنشئة المسيحيّة في جميع أنحاء الكنيسة، والذي يساعد العديد من العائلات والعديد من الشباب. هذا ما أسمّيه عملًا فنّيًّا.”
في قلب هذا المُجَمّع الفنّي بأكمله، كما قلنا في البداية، لا بد من وضع سرّين عظيمين: المسيح والإنسان. المسيح الذي بين يدي الآب هو الخالق، الملهم لجمال خليقة العالم والإنسان، وهذا الرجل، آدم، الذي خُلق في ذروة الجمال مع زوجته حواء، يسمح لنفسه أن يُجرّب باقتراح أن يصبح “إلهًا”، وأن يكون قادرًا على المشي، وبناء مستقبل بمفرده، وبناء برج بابل الخاصّ به عن طريق تسلق السماء – كما تخيّلت الكثير من الأيديولوجيّات الحديثة أيضًا- متناسيًا أنّ الله هو الإله الوحيد ولا إله إلا هو، وهو الذي يجعل الإنسان عظيمًا. فالإنسان المتروك لنفسه لا يقع إلا في جحيم معسكرات الاعتقال ومعسكرات الإبادة والموت.
وهذا ما أراد كيكو أن يعلنه بصوت عالٍ، مرّة أخرى، من خلال حصوله على جائزة “Per artem ad Deum”: “ما هو الإنسان؟ إنّه صيرورة، إنّه مشروع، إنّه معجزة. الإنسان! الإنسان معجزة. إنّه مشروع في حالة تحقّق مستمرّ، أي في حالة عدم استقرار مستمر. وليس من حقّنا أن ننزع من الإنسان إمكانيّة تحقيق نفسه كما خلقه الله، لأنّه مشروع في تحقيق مستمرّ”.
وتابع نقلًا عن القديس بولس قائلًا: “إنّ المسيح مات من أجل الجميع لكي لا يعيش الأحياء فيما بعد لأنفسهم، بل للذي مات وقام من أجلهم. هنا رؤية الإنسان بحسب سفر الرؤيا، وهنا الأنثروبولوجيا المسيحيّة: الإنسان، عبد الخطيئة، مُجبر على تقديم كلّ شيء لنفسه، لأنّه على وجه التحديد عبد فَقَد بُعدَ الجمال الذي هو الحبّ، أي أن يخرج من نفسه لكي يحبّ الآخر. إنّ عمل الخلاص يتمثّل في انتزاع الإنسان من هذه اللعنة وبإعادته إلى جمال المحبّة.
“بالنسبة لهذا الإنسان، نحاول إنشاء نوع جديد من الرعيّة؛ نصنع رعايا بإكليل أسراريّ حيث السماء حاضرة من خلال التأمّل، عبر الأيقونات المرسومة، بأهمّ أسرار إيماننا. الكنيسة اليوم ليس لها جماليّة محدّدة… وهذا ما دفعنا، بمعنى ما، إلى البحث عن جماليّة. في مدريد، أنشأنا رعيّة ذات سقف ذهبي، من الحجر الأبيض والزجاج، مع مركز لطريق الموعوظين: مجموعة من الغرف تطلّ على ساحة مركزيّة، مع نافورة. في الطابق الأرضيّ توجد جميع الخدمات الاجتماعيّة وما فوق، وفي طابق آخر توجد جميع الغرف لكلّ جماعة، وما إلى ذلك.
هنا هو مصدر الفنّ، والإلهام الذي دفع رجل الله، كيكو أرغويّو، إلى الحركة: سرّ محبّة الله الذي، في المسيح يسوع، جاء ليبحث عن الإنسان ويخلّصه، وليعيده إلى ربّه الإلهيّ. الجمال من خلال التنشئة المسيحيّة، التدريجيّة والكاملة، التي تدخله في الجماعة المسيحيّة، الكنيسة، حواء الجديدة، المتألّقة بالجمال، لتجعلها عروس المسيح.
وتابع كيكو إعلانه: “نريد أن نكون طريقًا جدّيًّا، طريقًا جديًّا، لأنّنا على وشك خوض معركة كبيرة مع العالم، والشيطان، والتنّين العظيم! نحن المرأة التي تلد”. الطفل الذكر، مهدّد بالتنّين العظيم الذي هو أمير هذا العالم… بدا أنّ النازية أولًا ومن ثمّ الشيوعيّة قد غزت كلّ شيء، كلّ شيء، أممًا بأكملها. نحن نفهم لماذا تسير أوروبا كلّها إلى الجحود اليوم، ونحن نفهم لماذا هناك علمنة كاملة. هنا يبدو أنّ الشيطان ينتصر دائمًا، لأنّه في هذا العالم ليس للمسيح مكان يسند فيه رأسه، ومعه المسيحيّون. أما نحن، مع المسيح، فقد انتصرنا على الموت ولدينا فرح عظيم، ولهذا يجب أن نعلن ونشهد لمحبّة الله لنا، الذي أعطانا الحياة الأبديّة في داخلنا.
وختم نقلًا عن دوستويفسكي: “الجمال سيخلّص العالم، وهو المسيح الذي يعيش في المسيحيّين في المجتمعات المسيحيّة…: إنّه لأمر رائع أن نعيش الإيمان في جماعة مسيحيّة في الرعايا”. أجمل ما في الجماعات هو أنّنا نرى عمل الله في الإخوة والأخوات، الجميع يغتنون بالخير من الجميع… إنّه لأمر رائع أن نرى العميان يرَون محبّة الله في حياتهم. لقد انتصر المسيح على الموت، فلا ننظر إلى الموت برعب، ولا إلى الشيخوخة، ولا إلى المرض… لقد مات المسيح ليخرج الإنسان من دائرة الأنانيّة هذه، فلا يعيش فيما بعد لنفسه، بل للذي مات وقام من أجله، أي المسيح، الجمال الإلهيّ الذي صار إنسانًا، والذي صار واحدًا منا، حتى يستطيع الإنسان أن ينال مجد الله، ويصير إلهًا”. إنّ فنّ كيكو، في تعبيراته المتنوّعة من الرسم والهندسة المعماريّة والموسيقى والترانيم والقصائد، هو أيقونة لكلّ خطّة الله العظيمة لحياة الإنسان، لأنّه كما يهتف القديس إيريناوس: “مجد الله هو الرجل الذي يعيش “، الذي يعيش بالكامل.
الأب إيزيكييلي باسوتي
من أخبار الفاتيكان
جائزة « إلى الله من خلالِ الفنّ » (Per Artem ad Deum) لكيكو أَرغُـوِيّـو: العالَم ينتظر جمالَ الله
منحت جمعيّة Sacra Expo (المعرض لمقدّس) جائزة « إلى الله من خلال الفن » (Per Artem ad Deum) للرّسامِ الإسپـاني، أحد بادئَـي طريقِ الموعوظينَ الجديد. أُقيم الحفل مساء أمس، الأول من كانون الأوّل/ديسمبر 2024، في كنيسة إكليريكيّة ‹أمّ الفادي› في روما.
ديبورا دونيني – مدينة الڤـاتيكان
الجمالُ الذي ليس غاية في حدّ ذاتِه ولكنّه قادر على التأثير في الإنسان، وعلى إدخالِه في اختبار محبّةِ الله. كان هذا هو الموضوعُ الأساسي لاحتفالِ الليلة الماضية، الأحدِ الأول من كانون الأوّل/ديسمبر، والذي تم خلالَه مَنحُ الجائزة إلى كيكو أَرغُـوِيّـو، أحد بادِئَي طريقِ الموعوظين الجديد، والجائزة عبارة عن وِسام (ميداليّة) Per artem ad Deum أي إلى الله من خلال الفن، من الجمعية الپـولّنديّة Sacra Expo (المعرض المقدّس)، تحت رعاية الدائرةِ الڤـاتيكانيّة للثقافة والتعليم. هذه جائزة «تُمنح للفنّانين أو المؤسّسات التي يُساهم إنتاجُها الفنيّ في تطويرِ الثقافة وتكوينِ الروحانيّة الإنسانيّة»، كما يوَضّح رئيسُ الجمعيّة أندريه موشون. وفي السنواتِ التسعةَ عشر الماضية، تمّ تكريم شخصيّاتٍ مِن قاماتِ الموسيقيين أمثال إنيو مُـرّيكوني، والمُخرجين أمثال جوزِپّـي تورناتوري وكْـرِستوف زانوسي، والنّحاتين أمثال أرنالدو پـومودورو، وآخَـرين مِن بينِهِم رسّامين ومهندسين مِعماريين مَرموقين.
أسبابُ الجائزة
تمّ تسليمُ الجائزة في أجواء بهيجة في كنيسة إكليريكيّة أم الفادي في روما بحضور حوالي 200 شخص، مِن بينِهِم بعضُ المُتجوِّلين وبعضُ مُعاوِني كيكو في الرسم وفي الهندسة المعماريّة والموسيقى. وكان حاضرًا أيضًا الأب ماريو بيتسي وماريا أَسِّـنثيون روميرو، العُضوان في الفريق المسؤول العالميّ عن طريقِ الموعوظينَ الجديد مع أَرغُـوِيّـو نفسِه. أكّد موشون قائلًا «إنّ عمل كيكو يذهب إلى ما هو أبعد من النشاطِ التقليديّ للإبداعِ الفنّيّ. فمن خلالِ الرسم، المفهوم على أنّه انعكاس لنورِ الله، والموسيقى، وهي لغة عالميّة قادرة على فتحِ القلب على بُعدِ الروح، يَجد كيكو طريقة لإعلانِ الإنجيل للإنسانِ المعاصر».
وأشار موخون إلى أنّ كيكو «يضع دعوته الفنّيّة في خدمةِ الكنيسة وليتُـرجيّتِها، حيث يؤلّف موسيقى تعتمد على المزامير وعلى مقاطع أخرى من الكتاب المقدّس وتراتيل الكنيسة، بالإضافة إلى قصائد روحيّة مأخوذة من كتاباتِه. وقد ألّف كيكو أَرغُـوِيّـو كتبًا، بالإضافة إلى أعمال مهمّة في الرسم والهندسة المعماريّة والنحت في جميع أنحاء العالم».
تتعلقُ الجائزة أيضًا بجِـذريّةِ الحياة الإنجيليّة
ركّـز الكَردينال جريزيغـورز ريس، رئيس أساقفة لودز، على إمكانيّة تَحوّلِ الفنّ إلى عبادة وثنيّة، بمعنى أنّه لا يؤدي إلى أيّ شيء آخَـر سِوى الفنّ نفسِه. وقد شدّد على هذا الجانب، ليُوضّح على وجهِ التحديد أنّه ليس من السهل أن نعيش بشكل صحيح «مبدأ ‹ إلى الله من خلال الفن›»، لأنّه لا يتطلّب الموهبة فحسْب، بل يتطلّب أيضًا التمييز والصلاة. «لذلك فإنّ الجائزة الممنوحة لا تتعلّق فقط بالقدرات الفنّيّة، بل أيضًا بجِـذريّةِ الحياة الإنجيليّة». واستشهد الكَردينال برسالة القديس يوحنا بولس الثاني إلى الفنّانين، مذكّـرًا بالتالي بأنّ طريقَ الجمال هو طريق لإعلانِ الخلاص لجميع البشر، ولكلّ خاطئ.
كيكو: ‹الطريق› هو أهمّ شيء في عملي الفنّيّ
في شُكرِه على الجائزة، أراد كيكو أن يـذكُـرَ المعنى الأعمق لتجربتِه الفنّيّة. وأوضح أنّ «الرب قد فعل شيئًا مثيرًا للإعجاب مع كارمِن (كارمن هِـرناندِث، خادمةِ الله والبادئة المُشارِكة لِطريقِ الموعوظينَ الجديد) ومعي. لأنّ الأهمّ من كلّ أعمالي الفنّيّة هو فَـتحُ ‹طريق لِلتَّـنـشـئة المسيحيّة›» في الكنيسة، والذي يساعدُ العديد من العائلات والشباب. وقال في الخطاب الذي استعاد فيه معنى الجمال: «هذا بالفعل عملٌ فـنّـيٌّ حقًّا». الجمال هو في الواقع عَلاقةٌ تَظهَر، على سبيلِ المِثال في المناظر الطبيعيّة، حيث أنّ زُرقةَ السماء تُنشد لِجمالِ السُّحُبِ الرَّمادية أوِ البيضاء. وذلك لأنّ «أعمق محتـوًى لِلجمال هو الحبّ». ولِلتعمّق أكثر، استعان كيكو بنصّ من دُستويِـڤـسْكي الذي يقول إنّ الجمال هو المسيح: «الجمال يُنتج دائمًا انفعالًا جماليًّا» وكأنّ «الله أراد أن يُظهر بالجمال أنّه يُحبُّـنا».
لذلك استعاد كيكو معنى الجمال من خلالِ الكتاب المقدّس. وذكّر بأنّ الله يدعو المسيحيّين إلى المشاركة في بناء هذا الجمال من خلال إظهارِ محبّةِ الله للعالم، والشهادة بأنّه مِن الممكن ألّا نعيش بعد الآن لِذَواتنا. «إنّ عملَ الخلاص هو انتشالُ الإنسان من لعنة تقديم كلِّ شيءٍ لنفسِه، وإعادتُه إلى جمالِ الحُـبّ». ينتظرُ الناس إعلانَ الإنجيل للفقراء، ليرَوا هذا النوع من المحبّة يتحقّق: «أحِبّوا أعداءَكم». يحاول طريقُ الموعوظين الجديد تحقيق ذلكفي الرعيّة من خلالِ الجماعات المسيحيّة الصغيرة، المُكوَّنة من 30 إلى 40 شخصًا، لأجل إظهار محبّةِ الله في عالمٍ يزداد عَـلمَـنَـةً. يتحدّثُ المجمع الڤـاتيكانيّ الثاني، في الواقع، عنِ الكنيسة باعتبارِها سرَّ الخلاصِ الشامل. بالتالي، فمُهمٌّ جدًّا أن يُـشعَّ جَمالُ المسيح في المسيحيّين. واختتم كيكو قائلًا: لقد مات المسيح لكي يتمكنَ الإنسان من الهروب من دائرةِ الأنانيّة هذه، حتى لا يعيشَ فيما بعد لذاتِه، بل للذي مات وقام من أجلِه، أيِ المسيح.
العملُ الفني
أخيرًا، قام الأب سيغُـنـدو تيخادو، رئيس «مؤسّسة الأوپـرا الفنّيّة ‹كيكو أَرغُـوِيُّـو›» – التي تهدف إلى الحِفاظ على أعماله والتعريف بها – بتوضيح رحلة كيكو أَرغُـوِيُّـو الفنّيّة. وذَكَـر كيف درس كيكو الفنونَ الجميلة في أكاديميّة سان فِرناندو في مدريد، وفاز بجائزة الرسم الوطنيّة الاستثنائيّة سنة 1959. وفي نهايةِ الخمسينيّات، واجه أزمةً وجوديّة؛ ثمّ بعد لقاءٍ عميق مع الرب، ذهب للعَيش بين الفقراء في الأحياء الفقيرة في پـالوميراس أَلتاس في مدريد. هناك تعرّف على كارمِن هِـرناندِث، وبدأت خِبرة طريقِ الموعوظينَ الجديد، الموجود اليوم في 136 دولة، في حوالي 6200 رعية. يسعى فنُّ كيكو، سَواء في مجالِ الأَيقونات أو في الهندسة المعماريّة، إلى تقديم مواضيع متناغِمة مع التجديدِ الذي أحدثَه المجمعُ الڤـاتيكانيّ الثاني. وأوضح الأب تيخادو أنّ مَرجعيّـة كيكو في الرسم هي أَيقوناتُ الكنيسة الشرقيّة: كيكو مندهِش من هؤلاءِ الرسّامين الذين يَـتخلّون عن «ابتكارِهِمِ» الشخصيّ كي يُخضِعوا أنفسَهم للقواعدِ التي حددها التَّـقـليد مُسبقًا. فمِن ذلك الفنِّ استَـلهَم كيكو، وقام بتحديثِه بحسَب تطوّراتِ الرسم الحديث الذي كان قد تَـدرَّب عليه، والمستلهممن أعمال پـيكَـاسّو وماتيس. أعمالُه الفنّيّة موجودة في العديد من الرَّعايا: من روما إلى فلورِنسا؛ من پـياتْـشِـنسا إلى پـاريس، وُصولًا إلى كاتدرائيّة مدريد، على سبيل المِثال لا الحَصر.
وأكّـد الأب تيخادو على أنّ «»كيكو يَنتـشلُ الفنَّ بعيدًا عن سِياقِ العملِ التّجاريّ: فهو لا يَـتقاضى أيّ رسوم مقابِل أعمالِه. إنّه يبحث عن فنٍّ للفقراء، من أجلِ الليتُـرجيّا»؛ «وإنّه فنٌّ يقودُ الإنسان إلى اختبارِ المحبّة التي أظهرَها لنا الله في المسيح». كما صمَّم كيكو النَّموذَجَ المِعماريّ لبعضِ الإكليريكيّات، كما قام بإنشاء نَوافذ زُجاجية مُلوّنة، وبعضَ المَنحوتات والأواني الليتُـرجيّة. كما يَحتضن عملُه الفنّيّ مجالَ الموسيقى كوسيلةٍ لإعلان الإنجيل. في عام 2010، قام بتأليف سيمفونـيّـتِه الأولى آلامُ الأبرياء، وفي العام نفسِه أسَّس الأوركِسترا السِّـمفوني لطريقِ الموعوظين الجديد، وهو مجموعةٌ دُوَليّة مكوَّنة من حوالي 200 موسيقيّ. يَـتـمُّ أداءُ السِّـمفونيّة في العديد من المسارح وقاعاتِ الحفلات الموسيقيّة والساحات والكاتدرائيّات: في مدريد ونيويورك وشيكاغو وطوكيو وبِرلين والقُدس وبوداپـِست ولوبْـلين وأوشڤـيـتـز وتْـرِيِـسْـتـي.
وفي الواقع، في ختامِ الحَـدَث، تمَّ عزفُ حركةٍ من قصيدتِه السِّـمفونيّة الثانية المَـسِـيّا من دُويـتـو للپـيانو والكَمان ومعهما عازفٌ منفرد. واختُـتِـم اللقاء بِـنَغماتِ الموسيقى مع النَّـظَر إلى جُدرانِ الكنيسة حيثُ رُسِمَت مَشاهد من حياةِ المسيح، مِمّا جعلَ منَ اللقاء اختبارًا حيًّا لذلك الجمالِ القادر على مَـسِّ قلبِ الإنسان.