طريق الموعوظين الجديد- يوحنّا بولس الثاني وكارمن هيرنانديث- زيارة إلى رعيّة الناتيفيتا- روما- 1980

مداخلة كيكو أرغويّو

مساء الخير جميعًا،

أُحيّي الأب كارلوس أوسورو، الكاردينال – رئيس أساقفة مدريد.

الكاردينال الأب أنطونيو ما روكو، رئيس أساقفة مدريد الفخري.

الكاردينال باولو روميو، رئيس أساقفة باليرمو الفخري.

الفخري. رؤساء الأساقفة والأساقفة والنوّاب الأسقفيّين الحاضرين هنا.

طريق الموعوظين الجديد- حفل افتتاح دعوى تطويب وتقديس كارمن هيرنانديث- 4 كانون الأوّل/ ديسمبر 2022
archimadrid.es – لويس ميلان

الأم العامة لمرسلات المسيح يسوع ومستشاريها. يا لها من بهجة لنا حضوركم في هذا الحفل أيّتُها الأخوات!

عميد الجامعة د. دانيال سادا، عمداء الكليات والأساتذة.

جماعات طريق الموعوظين التي تم تبشيرها من قبل كارمن ومن قبلي في مدريد وزامورا وبرشلونة وروما وفلورنسا وإيفريا وباريس.

المبشِّرين المتجوِّلين، رؤساء ومنشِّئوا مدارس إكليريكيَّة أم الفادي، الكهنة وجميع الحاضرين هنا. أرسل تحيَّة مفعمة بالعطف إلى العديد من إخوة الطريق الذين يتابعون هذا الحفل عبر الإنترنت.

نحن ممتنّون للرسائل العديدة التي تلقّيناها من رؤساءالأساقفة والأساقفة من القارات الخمس، الذين لم يتسنّى لهم مشاهدة هذا الحدث، يشاركونَنا فرحتهم مع إخوة الطريق وينضمّون إلينا من خلال صلواتهم.

أود أن أقرأ لكم كلمات الكاردينال فاريل، رئيس مجمع العلمانيِّين والأسرة والحياة، الذي أرسل إلينا أيضًا بدوره رسالة.

اعزّائي كيكو، الأب ماريو وماريا أسّينسيون،

أسّينسيون، أشكركم على الدعوة التي وجّهتموها إليّ للمشاركة في دعوى الافتتاح الرسميّ لدعوى تطويب كارمن هيرنانديز وتقديسها، والذي سيعقد بإذن الله في جامعة فرانسيسكو دي فيتوريا في مدريد.

يسعدني أن أعرف أنَّه تمَّ قبول طلب فتح دعوى تقديس كارمن، وأنا أشاركُكم فرحتكم هذه وإمتنانكم للربّ. لسوء الحظ، إنَّ الإلتزامات المسجَّلة في جدول أعمالي لهذه الفترة تمنعني من الحضورمعكم في هذا اليوم في مدريد.

على أي حال، أؤكِّد لكم صلاتي أمام الربّ لكي تبقى حياة كارمن، وشهادة إيمانها، وتفانيها الكامل لإعلان الإنجيل في كلّ مكان، مثالًا لكُم جميعًا وللكنيسة كلِّها.

أجدِّد إمتناني لكُم وأرجو أن تكون هناك فرصة أخرى نلتقي فيها، أحيِّيكم بحرارة في الربّ.

الكاردينال كيفن فاريل. عميد مجمع العلمانيّين والأسرة والحياة.

أنا شخصيًّا سعيد للغاية حيث تبدأ الكنيسة المرحلة الأبرشية من دعوى تطويب كارمن هيرنانديز وتقديسها. أشكر الكاردينال، رئيس أساقفة مدريد، كارلوس أوسورو، على بدء التحقيق في حياة كارمن وفضائلها وشهرة قداستها.

لقد جمعنا الربّ كارمن وأنا، لمدة 52 عامًا في مهمة تبشير رائعة – بدأت في أبرشيَّة مدريد هذه – كثمرة للمجمع.

أشعر أنَّ حدث إفتتاح دعوى تطويب وتقديس كارمن هما حدث من التدبير الإلهيّ لأنَّها تتزامن بالتحديد مع السنة التي يتمّ فيها الإحتفال بالذكرى الستين للمجمع الفاتيكاني الثاني؛ لأنَّ كارمن أعطت حياتها لإيصال المجمع إلى الرعايا، من خلال تنشئة مسيحيَّة، في خدمة الأساقفة، والذي يعرف بطريق الموعوظين الجديد.

من المدهش رؤية هذا التاريخ من خلال أحداث وأشخاص، وهو عمل لم تتمّ صياغته على الطاولة، ولكن بفعل الروح القدس. ما تم إنجازه كتابيًا في المجمع الفاتيكاني الثاني، رأيناه يتحقَّق مع الفقراء في أكواخ بالوميراس من خلال عمل الروح القدس. هناك رأينا الربّ يظهر، ويخلق الغفران، والمحبَّة، والشركة، والجماعة المسيحيَّة! كنّا أنا وكارمن شهودًا على حضور الله في التبشير، شهودًا على عمل الله في كنيسة المجمع الفاتيكاني الثاني. لم يكن لدينا أي خطط أو أفكار مسبقة. لأكثر من 50 عامًا، تمكنّا من أن نشهد أن الله حيّ في كنيسته.

على خطى القديس فرانسوا خافيير (التي احتفلنا بعيده بالأمس)، لم تفكر كارمن أبدًا في البقاء في إسبانيا، لأنَّه بالنسبة لها كان بمثابة فشل لمثلها التبشيريّ. لكنَّ الله شاء الله أن نلتقي في مدريد، في أكواخ بالوميرا ألتاس. التقينا سنة 1964، عند عودتها من رحلة الحج التاريخيَّة إلى الأرض المقدسة. أنا كنت قد ذهبت للعيش في كوخ مع فقراء بالوميراس.

هناك تعرَّفَت كارمن على جماعة الإخوة الذين كانوا يجتمعون في الكوخ الخاص بي وتأثرت كثيرًا بأجوبتهم على كلمة الله. فقرَّرت البقاء معنا وبنينا لها كوخًا.

رأت كارمن حضور يسوع المسيح الذي يأتي ليخلص الخطأة، ويحقِّق سر الفصح ويخلق الشركة بين الفقراء. المسيح كان يعطي ذاته كحُبِ مجّاني لكل إنسان.

كل ما سمح به الله، كامل وجوده في بالوميراس، كان بمثابة أرض خصبة أعدّها الله ليصبَّها بعد ذلك في الكنيسة. ما جعلنا الله نختبره في وسط عالم فقير، كان قد أعدّه الروح القدس لكنيسته.

كان وجود الأسقف مورسيلو من تدبير العناية الإلهيّة في الأكواخ، وهو الذي شجَّع كارمن لإتخاذ القرار النهائي للتعاون معي. لولا رئيس الأساقفة مورسيلو، لما كنّا ذهبنا إلى الرعايا؛ وكان هو أيضًا من فتح لنا الأبواب في إيطاليا. رأت كارمن في الأب مورسيللو حضور الكنيسة ما دفعها لتغيير موقفها تجاهي تمامًا. في حضور رئيس الأساقفة، رأت أن الوعد الذي قطعه الله لها في إسرائيل يتحقَّق.

عندما كانت كارمن في إسرائيل، في عين كارم، شعرت، كما لو أنَّها في رؤيا، أنَّ الله كام يريد شيئًا منها للكنيسة الجامعة، وأنَّ الأمر لم يكن يتعلَّق بتأسيس جمعيَّة.

أخبركم بهذا لكي تتمكنوا من رؤية التعاون بيني وكارمن على أنه سرّ عظيم من الربّ.

قد عانيت كثيرًا لكي أقبل بـِ كارمن، حتى خاطبني الربّ داخليًا وقال لي أنَّ كارمن كانت نعمة عظيمة جدًا، وأن تكون شخصًا إلى جانبي لتقول لي باستمرارالحقيقة: لقد أحضرها الله إليَّ من أجل رسالة؛ لذلك قبلت كارمن بإيمان، كشخص مرسل من الربّ. لقد عانيت حتى فهمت بالإيمان أنها كانت مرسلةٌ لي أنا من عند الله، ومنذ ذلك اليوم أصبحت نعمة لي.

كانت كارمن رائعة! امرأة غير عاديَّة والتي عملت الكثير من الخير، ليس فقط من أجل الإخوة والأخوات في طريق الموعوظين الجديد، ولكن لأجل الكنيسة بأكملها.

طريق الموعوظين الجديد- كارمن هيرنانديث في كنيسة القيامة- أورشليم
كارمن هيرنانديث في كنيسة القيامة- أورشليم

كارمن، يا لها من امرأة رائعة! إمرأة تملك عبقريَّة مميَّزة في الحريَّة والمحبَّة للكنيسة. لم تحابي أبدًا الوجوه معي: لقد قالت لي دائمًا الحقيقة. كان قادرة على البقاء ورائي، والوقوف دائمًا بجانبي، لمساعدتي. كان واضح بالنسبة لها بأنَّ المهمة التي أوكلها الله إليها هي دعمي، والدفاع عني، وتأديبي، من أجل خير طريق الموعوظين الجديد.

بفضل حبَّها للكنيسة ولإخوتها وأخواتها، بقيت بجانبي لمدة 52 عامًا، حتى لو كان ذلك صعبًا عليها في بعض الأحيان، ولكن ما كان يهمّ كارمن كان فقط أن تعمل مشيئة الله، وهي أن تكون معي في هذه التنشئة المسيحية التي هي طريق الموعوظين الجديد.

هي حقًا إمرأة استثنائية، كريمةٌ جدًا: لقد أنكرت نفسها حتى أتمكن أنا من العمل: على الرغم من تأديبها لي، كانت دائمًا ورائي، تدعمني.

إنَّها مثال على السخاء والإخلاص والتحدث بحريَّة مع الجميع؛ لقد قالت الحقيقة لأخوة الطريق. وعندما كان أحد إخوة الطريق يبتعد عن الطريق، كانت تتصل وتبحث عنه بحب، مثل الخروف الضّال.

كانت امرأة غير عاديَّة، نبي حقيقي، مرسلة حقيقية، عاشت الإيمان بطريقة بطوليَّة، امرأة استثنائيَّة! مهمَّة جدًا للكنيسة، تصلي دائمًا، مغرمة بالمسيح والكتاب المقدس والفصح، وبحبٍ غير مشروط للبابا وللكنيسة.

طريق الموعوظين الجديد- كيكو أرغويّو وكارمن هيرنانديث في كنيسة الانتقال في فوينتيس دي كاربونيرو- سيغوفيا- إسبانيا

معًا، نحن بادئي هذه الموهبة التي ألهمها الرب لمساعدة كنيسته. إنَّ كلمات البابا فرنسيس في تور فيرغاتا عام 2018، بمناسبة الذكرى الخمسين لطريق الموعوظين الجديد: “أنتم موهبة من الروح القدس للكنيسة”، تؤكد رغبة كارمن في أن نرى أنَّه في الطريق الله هو الذي يعمل، وأنَّه موهبة من الروح القدس في الكنيسة، والذي دعانا هو بنفسه لنكون بادئي هذه الموهبة.

في اللقاء الأخير الذي سمح لنا به للفريق العالمي للطريق، عبَّر البابا فرنسيس عن سعادته ببداية افتتاح الدعوى.

لهذا السبب، أتمنّى في دعوى التقديس هذه التي بدأت، أن تبحث الكنيسة في حياتها التي كانت غالبًا حياة مصلوبة وصامتة ومؤلمة، كما لو أنَّها “في ليلة مظلمة”؛ أتمنى أيضًا أن تظهر فضائلها، التي يوجد الكثير منها مخفي، والعديد منها بدرجة بطوليَّة. أتمنى أن يكون لدى الكنيسة تمييز في كل هذا.

أشكر الله لأنيّ تعرَّفت عليها وإستطعت العمل معها في “أعمال الإنجيل الشاقة”، كما يقول القديس بولس.

كارمن! يا لها من امرأة عظيمة، بإيمان استثنائيّ! يا له من حبٍ كبير للمسيح وكنيستِه!

شكرًا!

طريق الموعوظين الجديد- حفل افتتاح دعوى تطويب وتقديس كارمن هيرنانديث- 4 كانون الأوّل/ ديسمبر 2022
archimadrid.es – لويس ميلان

سنستمع الآن إلى الإنجيل.

نرغب هذا المساء تقديم جزء من الإنجيل الذي لمس كارمن بعمق: التجلّي، وهو المصير الرائع والمدهش لتاريخ الإنسان، والذي تحقَّق بالفعل في العذراء مريم، التي هي ليست فقط صورة للكنيسة ولكن أيضا للبشريَّة جمعاء.

سيقود حدث التجلّي هذا الإنسان الذي اتخذه يسوع المسيح إلى الألوهيَّة الكاملة. إنَّه إرتفاع إلى مجد السماء، إلى الصعود. وهذا يمكن إختباره هنا، لأنَّنا نحن المسيحيّين بالمعموديَّة نتحوَّل يومًا بعد يوم، حتى لو ظهر ضعف الجسد، نحن نتحوَّل بواسطة وجه يسوع المسيح. هذا هو الإيمان المسيحيّ الذي ينير التاريخ، مستقبل البشريَّة: التجلّي.

إعلان الإنجيل: مر 9: 2 – 8

طريق الموعوظين الجديد- لوحة التجلّي لـِ كيكو أرغويّو

مداخلة طالب الدعوى، كارلوس ميتولا

صاحب السيادة والنيافة مونسنيور الكاردينال كارلوس أوسورو سييرا، رئيس أساقفة مدريد

مدريد ، 20 تموز/يوليو، ذكرى النبي إيليا

كما تعلو السموات عن الأرض هكذا تعلو طرقي عن طرقكم” ( أش55: 9).

أنا، الموقع أدناه ، السيد كارلوس ميتولا غوميز، المعيّن شرعيًا طالب دعاوى القدّيسن الأبرشي لطريق الموعوظين الجديد، ومؤسسة عائلة الناصرة للتبشير المتجول في مدريد ومؤسسة عائلة الناصرة للتبشير المتجول في روما، أصحاب دعوى تطويب وتقديس خادمة الله

ماريا ديل كارمن هيرنانديث باريرا، المبشّرة العلمانيّة

يَطلُب إلى نيافتكم، باسم الأطراف السابق ذكرها، ووفقًا للدستور الرسولي “ديڤينوس پيرفيكسيونيس ماجيستير”، وأنظمة “سيرڤاندي إن إنكويزيسيونيبوس أب إيپيسكوپيس فاتشيِنديس إن كَوزي سانكتوروم”، والإرشاد “سانكتوروم ماتير”، حول إجراءات الإرشادات الأبرشية، في دعاوى القديسين،

راجيًا منكم البدء في توجيه التعليمات الأبرشيّة حول هذه الدعوى في أبرشيّة مدريد.
archimadrid.es – لويس ميلان

في دعوة البابا يوحنا الثالث والعشرون إلى المجمع الفاتيكاني الثاني عبر دستور “أوماني سالوتيس”، أكّدقداسته بطريقة نبويّة: ” تشهد الكنيسة في يومنا هذا على أزمة إنسانيّة خطيرة.  يولد نظام عالميّ جديد، والكنيسة أمامها مهام جسيمة، كما كانت الحال في أكثر فترات التاريخ مأساوية. في الواقع، المطلوب من الكنيسة اليوم هو غرس فضيلة الإنجيل الدائمة والحيويّة والإلهية في عروق البشرية المعاصرة”.  [1]

طريق الموعوظين الجديد هو إحدى الثمار العديدة لهذا المجمع الفاتيكاني الثاني، كما قال البابا بولس السادس: “ها هي ثمار المجمع! إنكم تعملون (الموعوظيّة) بعد المعمودية، والكنيسة الأولى عملتها قبل المعموديّة: قبل أو بعد المعمودية، أمرٌ ثانوي. الحقيقة هي أنكم تهدفون إلى أصالة الحياة المسيحيّة وكمالها وتماسكها وصدقها”. [2]

أيضًا البابا يوحنا بولس الثاني الذي كتب في رسالته “أونيي كوال ڤولتا”:  “أعترف بـِ طريق الموعوظين الجديد كمسيرة تنشئة كاثوليكيّة صالحة للمجتمع وللأزمنة المعاصرة”. و “أرغب بصدق في أن يقدّر إخوتي الأساقفة ويساعدوا-  مع كهنتهم- هذا العمل للتبشير الجديد”.  [3]

أردت أن أبدأ بالاقتباس من هؤلاء الأحبار الثلاثة المحبوبين، بسبب الحبّ الهائل الذي كانت تتمتع به خادمة الرب ماريا ديل كارمن هيرنانديث باريرا طوال حياتها للكنيسة، والبابا، رأسها المرئي. كانت بادئة لطريق الموعوظين الجديد، جنبًا إلى جنب مع كيكو أرغويلو، وهو كما أكّدنا، واحدة من ثمار المجمع الفاتيكاني الثاني. كرّست كارمن هيرنانديز كلّ قواها، لمدة 52 عامًا، لتقوم بخدمة متواصلة في الإعلان المتجول للإنجيل، ولتكون أداة، “كخادمة عديمة الفائدة” [4] للمسيح من أجل تجديد كنيسته.

وُلدت ماريا ديل كارمن هيرنانديث باريرا في 24تشرين الثاني/ نوفمبر منسنة 1930، في أولڤيجا بمقاطعة سُريا، في عائلة كاثوليكية لديها تسعة أطفال. كانت هي الخامسة، وأرادت منذ سنّ مبكّرة أن تكون مُرسلة، وهي دعوة ولدت لديها وتغذت في كلّ مرّة جاء فيها المبشّرون اليسوعيّون من توديلا (نافارا) إلى مدرستها لإلقاء محاضرات حول الرسالات. مثال القديس فرنسيس كزافييه أجّج حماسها لبقيّة حياتها.

في وقت لاحق، اعتقدت كارمن أن اتّباع المسيح يعني عدم شروعها في مهنة الاختصاص في الكيمياء، (التي حصلت على شهادتها بنتائج رائعة )، أي عدم اتّباع مشروع الحياة الذي تصوره لها والدها ووضع عليه الآمال الكبيرة، في إطار صناعة الأرزّ العائلية المزدهرة؛ ولهذا السبب، دخلت معهد مُرسلات يسوع المسيح، التي أسّستها الأم ماريا كامينو سانز أورّيو بمساعدة لا تقدر بثمن من رئيس أساقفة بامبلونا آنذاك، المونسنيور مارسيلينو أوليكيا. وقد تأسس عام 1954.  خلال السنوات الثماني التي قضتها بين المرسلات ، تلقت كارمن تنشئة ممتازة في الحياة الروحيّة والجماعيّة والرسوليّة. عندما نقرأ يوميّاتها وملاحظات ضميرها عن تلك السنوات ، نصُدم من المحبة التي كانت تعبّر عنها ليسوع؛ كانت العبارة التي تردّدها غالبًا: “يا يسوعي ، أنا أحبك!”. وممّا يثير الدهشة أيضًا الخبرات الروحيّة العديدة والعميقة، “الصوفية تقريبًا” والمتّسمة بطابع التضحية البطوليّة، والتي قادها الرب من خلالها.  بين عامي 1957 و1960 درست العلوم الدينيّة في معهد كرسيّ الحكمة (سيدي ساپيينسي) في ڤالنسيا، مع بعض المعلّمين الرائعين الذين كانت تذكرهم دائمًا؛ كانت درجاتها رائعة وقد كتبت أطروحة نالت عليها درجة الامتياز مع التهنئة، حول “الحاجة إلى الصلاة في فكر بيوس الثاني عشر”.  كل هذا منحها حبًا هائلًا للصلاة الليتورجيّة، والإفخارستيا والكتاب المقدس، بكونها تشكّل حضورًا حقيقيًّا وضروريًّا للمسيح في حياتها اليومية.

عندما بدا أن كل شيء يشير إلى انطلاق الرسالة إلى الهند، وبعد عام ونصف قضته في لندن، بحسب عادة معهدها، لتتعلم اللغة الإنجليزية وتكمّل تحضيرها للرسالة، تلقّت كارمن هيرنانديث ما سمّته بنفسها “اختطاف جوّي” في طريقها لخدمة الله: شكّت رئيساتها في أهليتها للقيام بالنذور الدائمة، فأعدنها  إلى إسبانيا. ثمّ مرت ثمانية أشهر من الانتظار، أمضتها كارمن في أحد منازل الأخوات المُرسلات في برشلونة. خلال تلك الفترة جعلها الرب تعيش “كينوزيس” عميق جدًا، حيث اختفت كلّ أوهامها في كونها مُرسلة. تقول أنّ برشلونة كانت مثل جبل موريّا، حيث كان عليها أن تضحي بـ “إسحاق “(مشروع حياتها). لقد أراحها الذهاب إلى متحف ماريس، حيث “هناك العديد من الصلبان من الفنّ الروماني، التي يملك فيها المسيح على الصليب” ، ليس بتاج الشوك ، بل بتاج الملوك، وهي الصلبان التي كانت تدعوها إلى الثبات في تلك المعاناة ، على ذلك الصليب ، لأنّ هذا ما فعله يسوع المسيح.

والأهمّ، خلال ذلك ال “جثسماني”، أنّها تعرّفت بالأب بيدرو فارنيث، الليتورجي العظيم ، الذي كان كملاك يواسيها. لقد نقل إليها كل التجديد الليتورجي، الذي كان قد بدأ لتوّه في ذلك الوقت، مع إعادة اكتشاف العشيّة الفصحيّة وقوة الإفخارستيا، ولكن ليس بطريقة نظريّة، بل “متجسدًا في ذاتها” بسبب ظروف “المعاناة والموت” التي كانت تعيشها، لأنها إذا لم تُقبل للقيام بالنذور، فأين ستذهب؟ أين كان مكانها في الكنيسة؟ لأن شيئًا واحدًا كان واضحًا لها: الربّ كان يدعوها لتكون مرسلة! لقد تركت كلّ شيء لأجله ولكنيسته! وهكذا تعلّمت أنّ “ذكرى موت يسوع المسيح وقيامته” تصبح حاضرة في الأفخارستيّا، وأنّ المرء يشارك فيها وجوديًا، بموته وقيامته مع المسيح.

عندما أكّدوا لها عدم قبولها للنذور الدائمة في 28 آب/أغسطس 1962، زاد شكّها الوجودي. عندها، فُتح باب صغير أمامها، لأن أسقف أورورو (بوليفيا) المونسنيور خورخي مانريكي دعاها للذهاب إلى أبرشيته للعمل بين عمّال المناجم الفقراء. لكنّها كانت تشعر بالحاجة للذهاب إلى الأراضي المقدسة، “الإنجيل الخامس” ، والتعرّف إلى الأرض التي كان يسير فيها حبيبها يسوع. وبموارد قليلة جدًا، ذهبت في رحلة حج إلى الأراضي المقدسة، مع فتاة إيرلندية شابّة كانت قدتعرّفت إليها في لندن. تجوّلت الاثنتان في أماكن متعدّدة في إسرائيل، وغالبًا ما كانتا تسيران وهما تقرآن الكتاب المقدس في نفس الأماكن التي وقعت فيها الأحداث المسرودة؛ وكانتا تكسبان بعض المال عن طريق تنظيف منازل كلّ من اليهود والعرب. في الأرض المقدسة تتعرّض كارمن لتجربة مثيرة للفضول: يدعونها للعمل في معهد إسرائيل للتكنولوجيا، التخنيون، في حيفا ، في مشروع بحث كيميائي، وكان من الممكن أن تقبله، لكنها تخلت عنه لأنّ دعوة الله كانت أقوى بكثير. كانت تذهب بعد الظهر غالبًا إلى صخرة أوليّة بطرس، حيث يتردد صوت يسوع قائلًا: “هل تحبني؟”. أكانت كارمن تجيب “نعم”، وتسأل الرب “ما هو مكانها في الكنيسة”. في آب/أغسطس 1964، عادت إلى إسبانيا وذهبت للعيش في بالوميراس باخاس، أحد الأحياء الفقيرة في ضواحي مدريد. هناك كان الله قد أعدّ لقاءها مع كيكو أ{غويّو ، من خلال إحدى أخواتها التي كانت تعرفه. تقول إحدى موشّحات سليمان أن لدى الله مع كل شخص “مقاصد رفيعة لا توصف” ، وكذلك المقصد الذي أعده الله لكارمن هيرنانديث. دعوتها التي لا تُقاوم للتبشير، والتي تعزّزت من خلال تهيئتها اللاهوتيّة والروحيّة والليتورجية العظيمة؛ وهكذا، انضمّت إلى المقصدالذي هيّأه الله لـِ كيكو أرغويّو: حضور المسيح المتألم بين أفقر الناس، والقدرة على جمع وإنشاء جماعات صغيرة. فقد كشفت السيدة العذراء لكيكو، قبل ذلك بخمس سنوات، في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1959: “تجب إقامة جماعات مسيحيّة مثل عائلة الناصرة المقدّسة، تعيش في التواضع والبساطة والتسبيح، الآخر هو المسيح”. من اتحاد هذه الرسالة بين كارمن هيرنانديز وكيكو أرغويلو، ولد طريق الموعوظين الجديد، بتشجيع من رئيس أساقفة مدريد آنذاك، المونسنيور كاسيميرو مورسيّو.

طريق الموعوظين الجديد- كيكو أرغويّو، كارمن هيرنانديث، كازيميرو مورسيّو

في طريق الموعوظين هذا، ساهمت كارمن هيرنانديث في علم اللاهوت والحدس والبحث والدراسة ، كما ساهم كيكو في “التنفيذ” و “التوليف” في خلاصة لاهوتيّة- كرازيّة وأخلاقيّة تجذب الأبعد عن الكنيسة كالذين عاشوا في الأكواخ، زيمكنها، في نفس الوقت، أن تنعش وتحيي إيمان المؤمنين في الرعايا؛ إيمان مختوم في العماد الذي نناله ونحن أطفال، ولكنه غالبًا غير ناضج إلى مستوى الإيمان الراشد. اليوم ، بعد أن انتشرت بذرة الأكواخ هذه عبر كيكو وكارمن وآلاف من المبشّرين الذين تنشّأوا على أيديهما، انتشر طريق لموعوظين الجديد إلى أكثر من 130 دولة، مع 21066جماعة في العالم ، ومع مليون ونصف من الإخوة والأخوات، في 6800 رعيّة. أمضى كيكو وكارمن 52 عامًا من النشاط التبشيري المستمر في العديد من بلدان العالم.، وكانا دائمًا برفقة كاهن، يشكّلان معه فريق مبشّرين متجوّلين. اعتادت كارمن أن تقول: “هذا ليس عملنا، الله هو الذي يقوده إلى الأمام.”. قد أكمل بادئا الطريق أكثر من خمسين عامًا، كما يقول القديس بولس، وهما “يهتمّان بجميع الكنائس” [6] ، مع الصعوبات، والإخفاقات، والمعاناة، والسفر المتكرّر، والاجتماعات، والمعايشات، والليالي بلا نوم، ودون أن يتقاضيا أي راتب، أو أيّ ضمان مادّي، زكانا يعيشان على الصدقات. لدينا اليقين ، وهو رأي شخصيّ في انتظار الحكم النهائي للكنيسة، أنّ كارمن عاشت هذه السنوات من حياتها في نشاط إنجيلي بطولي، دون أن يكون لها “أين تضع رأسها”. [7] وبطبيعة الحال، كان إعلان الإنجيل هذا مليئًا أيضًا بالبهجة والعزا، حيث عاينا عمل الربّ وقدرته: ” أنا معكم دائمًا ، حتى نهاية الدهر”. [8]

من الغريب أن كارمن هيرنانديث، وهي في زوبعة التبشير هذه، غالبًا ما سجّلت لحظات “فراغ” في مذكراتها. تقول حرفيًا: “أنا في اللاشيء”، أو “لا شيء على الإطلاق”؛ بعد أن تكون قد مرّت بخبرة قريبة جدًا من يسوع، وشهدت عمل الله من منظور الشخص الأوّل أو بعد أن شاهدت تصرّفاته في حياة الإخوة والأخوات، وبعد أن رأت الله قويًا جدًا في التبشير، تنتقل إلى فترات “الفراغ”: يسوع، العريس، قد رحل تاركًا إيّاها وحيدة مؤقتًا، وتعاني من”اللاشيء”. غالبًا ما تنسخ في كتاباتها آيات من القديس يوحنا للصليب، وتوضح أنّه لا يوجد شيء في العالم يجذبها، وليس لديها رغبة في أن تكون محاطة بالناس؛ فهي تفكّر فيه فقط وفي أن تبقى وحدها معه. وتكتب: “أخيرًا، أنا وحيدة معك”. تريد أن يتم إخبارها عنه، ولهذا السبب تتابع باستمرار نشاط الباباوات، وتستمع إلى راديو الفاتيكان، أو تقرأ وتعيد قراءة كتب اللاهوت التي لا حصر لها، الموجودة في مكتبتها.

يوميّات- 1979-1981

عرفت كارمن هيرنانديز أنّ هذه التنشئة المسيحيّة الخاصّة بطريق الموعوظين الجديد، لا يمكن أن تتمّ بدون بعض الركائز القوية التي كانت تعيشها هي، وكانت تحاول غرسها في إخوة وأخوات الجماعات:

– الحب والحاجة إلى الصلاة: كانت كارمن تصلي كلّ ساعات المزامير بتقوى وسرور حقيقيين؛ وكانت تحبّ الصلاة، وكانت وسيلة لتقديس اليوم. لقد أحبّت بشكل خاص فرض القراءات، الذي أسمته “فرض الصباح”، وهو ما كانت تصلّيه في الساعات الأولى من الصباح، لأنّها كانت تقول إنّ هذه المزامير كانت “وجودية للغاية”. لم تفوتها ساعة واحدة من ليتورجيّة صلاة الساعات، حتى خلال التنقّلات والأسفار.

– حب الأسرار، وخصوصًا الإفخارستيا التي كانت تشارك فيها كلّ يوم، وحب التوبة: كرّست كارمن سنوات عديدة من الدراسة لهذين السرَّين المقدّسَين، من خلا أفضل الكتب الكاثوليكية وأفضل علماء اللاهوت. كما تعمّقت أيضًا في الجذور اليهودية للمسيحيّة، من خلال درسها للأعياد اليهوديّة التي احتفل بها يسوع المسيح كيهودي، والتي تُعتبر كمصادر أسرارنا: الفصح اليهوديّ، يوم الغفران ( يُوم كيپور)، أو عيد العنصرة (شافوعُوت).

– محبّة الكتب المقدّسة التي كانت تعرفها تمام المعرفة، والتي كانت تمضي ساعات وساعات معها، في قراءة الاقتباسات وإعادة قراءتها، مستخلصة منها ما لا يحصى من المفاهيم الدقيقة والمعاني. نصوص الكتب المقدّسة الخاصّة بـِ كارمن مُسطّرة مرارًا وتكرارًا: إنّه لأمر مثير للإعجاب أن نرى مدى “استخدامها وتسطيرها”.

– كانت كارمن هيرنانديث دارسة دائمة للإيمان الكاثوليكي، مع آباء الكنيسة والتقليد العقائدي بأسره؛ احتوت مكتباتها على أكثر من 4500 كتاب ديني ومئات المجلات اللاهوتية. كان تستمع إلى إذاعة الفاتيكان يوميًا، وتقرأ الأوسرفاتوري رومانو (مع وضع خط تحت المقالات الأكثر أهميّة، أو اقتصاصها للاحتفاظ بها) إن في نسختها اليوميّة بالإيطالي أو الأسبوعيّة بالإسبانيّة. وقد تابعت كلّ خطابات الباباوات، ولا سيما خطابات القديس يوحنا بولس الثاني، والبابا بنيديكتوس السادس عشر.

في هذه السنوات الخمسين ، كانت دائمًا بجانب كيكو أرغويّو، تشجعه وتساعده في التحضير وفي خلال الاجتماعات، واللقاءات، والمعايشات، ولا تتوانى عن إصلاحه (الإصلاح الأخوي) فيما اعتبرته ضروريًا، وعلى الأخصّ لكي لا يتكبّر عندما كان يرى نجاحًا كبيرًا في عمل الله هذا، قائلة له بأنّهما كانا مجرّد “خدام عديمي الفائدة”. غالبًا ما كانت تصمت، (خصوصًا في أواخر حياتها، عندما كانت قوّتها أقل أو بسبب المرض)، ولكنها استمر في تشجيع الجميع: كيكو، المبشّرين، وإخوة الجماعات. كانت أيضًا امرأة تتحدث بحريّة كبيرة.

طريق الموعوظين الجديد- حفل افتتاح دعوى تطويب وتقديس كارمن هيرنانديث- 4 كانون الأوّل/ ديسمبر 2022
archimadrid.es – لويس ميلان

كان لديها حبّ خاص لـ “الخراف الضالّة”، أي لأولئك الذين كانوا يعانون، أو لأخ في الجماعة كان يمرّ بلحظة صعبة أو كان في أزمة؛ كانت كارمن تتصّل به وتشجّعه على مقابلة يسوع المسيح مرة جديدة في الأسرار المقدّسة، والكلمة والصلاة، وكانت تطلب منه الغفران. كانت تتذكر أسماء مئات الأخوة من الجماعات التي شاركت بتبشيرها بشكل مباشر، ووضعهم العائليّ والوظيفيّ، بالإضافة إلى مئات من المبشّرين المتجوّلين من مختلف فرق التبشير.

في السنوات الأخيرة من مرضها، تابعت، قدر الإمكان، الإيقاع المحموم للتبشير العالمي: الأسفار، واللقاءات، والاجتماعات، وتغيير الأمكنة… حتى لو كان هذا يعني المزيد من المعاناة الجسديّة والمزيد من الألم، بسبب مرض قلبها، وارتفاع ضغط دمها، والألم في ساقيها (كانت تعاني من قرحة لا تلتئم بسبب ضعف الدورة الدموية)، والآلام في ظهرها (كان لديها عدة فقرات مكسورة، مع ألم شديد للغاية)، والألم في جنبها (بعض الضلوع المكسورة بسبب عدة سقطات، التي، وإن كانت قد شُفيت لاحقًا ، كانت سببًا لمعاناتها). غالبًا ما كانت تشارك في الاجتماعات من خلال متابعة الصوت من غرفتها. كانت وفاته في مدريد في 19 تموز/ يوليو 2016 بمثابة انتقال هادئ إلى الراحة الأبديّة؛ لقد “انطفأت دون أي لحظة مقاومة أو تمرّد، ولكن بسلام وهدوء كبيرَين.

لذلك ، يا صاحب النيافة المبجّل، نحن نؤمن ونؤسّس ما يلي:

– عرفت كارمن هيرنانديث كيف تحيا الفضائل المسيحيّة بطريقة بطوليّة: الإيمان، الرجاء، المحبة، الحكمة، الفطنة، العدالة، القوّة، الاعتدال، الصبر في الألم، التقوى، قبول إرادة الله، حب عميق جدًا للكنيسة وليسوع المسيح، ومحبّة عظيمة جدًا للصلاة، وللسلطة الكنسيّة، مع حريّة كبيرة في الإصلاح الأخويّ، ونعتقد أنّ لدينا دلائل كافية على ذلك، من خلال كتاباتها الشخصيّة العديدة، وكرازاتها، ورسائلها، وشهادات العديد من الأشخاص الذين عرفوها.

– إن شهرة الآيات والعطايا، التي تتشفّع بها كارمن هيرنانديث عند الله، منتشرة في أوساط شعب الله ، وذلك بفضل النعم والعطايا الكثيرة التي طلبوها منها وما زالوا يطلبونها منها بشكل يومي. لقد تلقينا أكثر من 1500 شهادة بهذه النعم، من أكثر من 70 دولة مختلفة حول العالم.

– لقد استقبلنا زيارات عديدة إلى قبر كارمن هيرنانديث (أكثر من 50000 شخص من 70 دولة مختلفة، من جميع أنحاء العالم)، وقد تركوا حوالي 25000 كلمة شكر والتماس في كتب التعزية.

– في كل عام، في أجزاء كثيرة من العالم، يشارك الآلاف من المؤمنين بقداسات ذكرى الجنازة والدفن وفي ذكرى 19 تموز/ يوليو.

– الترحيب الكبير من قبل الجمهور بالكتب التي تحتوي كتابات كارمن هيرنانديث أو سيرتها الذاتية، المنشورة حتى الآن، والصالح الروحي العظيم الذي يقال عن هذه الكتب إنّها تفعله.

– وقد ظهرت كلّ شهرة قداسة كارمن هيرنانديث، التي يمكننا التحقق منها وتأكيدها، دون وجود أي عريضة، أو أي صفحة ويب، أو أي دعاية خاصة، حتى لا تؤثّر على شهرة القداسة هذه أو تولدها بشكل مصطنع.

من أجل كل هذا، وبعد مرور خمس سنوات على وفاة خادمة الله، وبحسب المنصوص عليه في قواعد دعاوى القدّيسين:

أقدّم التوسّل إلى نيافتكم،  من خلال “كتاب التوسّل هذا”  (سوپليكس ليبِلّوس)، أ، تأخذوا في الاعتبار ملاءمة بدء الدعوى فيما يتعلق بحياة خادمة الله، ماريا ديل كارمن هيرنانديث باريرا، وفضائلها وسمعة قداستها، التي تُوفيت في أبرشيتكم في 19تموز/ يوليو 2016.

إنها نعمة أتمنى أن أنالها من نيافتكم، راجيًا أن يحفظكم الله لسنوات عديدة.

سلام.

كارلوس ميتولا غوميث، طالب الدعوى في المرحلة الأبرشيّة

مُلحق

بحسب ما يفرضه البند 37 من الإرشادالرسولي “سانكتوروم ماتر”، نُرفق بطلب الدعوى  الوثائق التالية: ،

  1. توكيلي كطالب للدعوى؛
  2. سيرة حياة خادمة الله ماريا ديل كارمن هيرنانديث باريرا
  3. النسخ الأصليّة مع صور طبق الأصل لكلّ كتابات خادمة الله؛ بعضها كتابات مطبوعة  وصادرة للعموم؛ وبعضها الآخر وثائق ” غير صادرة ومطبوعة ” مخطوطة بيدها” وموضوعةفي خدمة مُبشّري طريق الموعوظين الجديد.

  4. لائحة الشهود الذين بإمكانهم المساهمة في توضيح الحقيقة حول حياة خادمة الله وفضيلتها وشهرة قداستها.

1-الإرشاد الرسولي “أومانيس سالوتيس: 3 (25 كانون الأوّل/ ديسمبر 1961

2- المقابلة العامة للبابا بولس السادس، 8 أيّار/ مايو 1974، حاضرة الفاتيكان

3- رسالة “أونيي كوال فولتا” للمطران يوزيف كورديس، في 30 آب/ أغوسطس 1990

4- أنظر لو 17: 10

5- أناشيد سليمان، 24

6- أنظر 2 قو 11: 28

7- أنظر متى 8: 20

أنظر متى 28: 20


لويس ميلان- أرخيمدريد.إس

القصيدة السيمفونيّة “عاقّيدا”

          سوف نستمع إلى قصيدة سِـمفونِيّة عُـنوانُها «عاقِـدا». إنَّ كلمة «عاقِـدا» هي كلمةٌ عِـبريّة ومعناها «اُربطني»، وتوجد في التَّرجوم نِـيوفـيـتـي (Targum Neofiti)، الذي هو عِبارة عن تفسير عِبرانيّ عُـثِـرَ عليه في مكتبةٍ في روما حيث كان يَـتِـمُّ التبشير لليَهودِ الساكنين فيها. في هذا التَّـرجوم نَجد ترجمةً للمقطعِ الخاصّ بإبراهيم، الذي يَصف ذبيحة إسحق ويُضيفُ ما يقوله ملاكٌ: «تعالَـوا وانظروا الإيمان على الأرض: أبٌ يُضَحِّي بابنِه الوحيد، وابنُه الحبيب يُـقَـدِّمُ له عُـنُــقَهُ».

لقد وضعتُ لحنًا موسيقِيًّا لهذا النَّصِّ الذي يتناول إسحق، الذي هو صورةٌ لتواضُعِ المسيح، هذا الذي بِـكونِه ابنَ الله، تواضَعَ وجعل نفسَه خطيئةً من أجلِـنا. هذه المقطوعة تَعكَـسُ اللحظة التي تَـأهَّب فيها إبراهيم لأن يُضَحِّي بابنِه، وناظِرًا إليه بثباتٍ وَضَعَهُ على الخشب. وحين كان على وشَك أن يَقـتـلَه، قال له إسحق: «اُربطني، اُربطني بِشِدّة، يا أبتي، كي لا أُقاوم بسبب الخوف، وتصير ذبيحتُـكَ باطلةً، ونحن الاثنان نصير مَرفوضَين».

لأنّه، بحسبِ الرُّتبة الطَّقسيّة في الهيكل، فإنَّ حَمَلَ الذبيحة كان ينبغي أن يكون وديعًا جِدًّا. لذلك كانوا يبحثون فيما بين جميع النَّعجات – التي هي صورةُ للعذراءِ الطاهرة – عن نعجة تكون وديعةً لدرجة أنَّ حَمَلَها، في اللحظة التي يربطونه فيها، لا يَرفُـس، فإنَّه إذا تَحَرَّكَ ورَفَـسَ، تصيرُ الذبيحة باطلةً. هذا موجودٌ في التَّــلمود، في التقليد الرّابّـيـني وفيه نجد صورة لتواضعِ ربنا يسوع المسيح، لأنَّ إسحق هو صورةٌ للمسيح.

لقد حكت كارمن عِدّة مرّات أنّها عاشت في جسدِها خِبرة إبراهيم: الوَعد بأن تَـصير مُرسَلةً كان يُرافقها منذ طفولتها وشبابها، حتّى إقامتها في بَرشلونة – التي ستَعني بالنسبة لها الصُّعود إلى جبل مورِيا. ومِثلما حَمَلَ إبراهيم إسحق كي يُـقَـدِّمَهُ ذبيحةً على جبل مورِيا، فإنَّ كارمن سوف تُضَحّي «بإسحـقِها»، أيْ بدَعوتِها ذاتها، بمَشروعِها الخاص بالحياة الإرساليّة، وبرغبتها في الانطلاق إلى الرسالة.

لقد حَـكَـت كارمن أنَّ ذلك كان وقتَ التجربة الأكثر قسوةً في حياتها، وقتَ النزول إلى أقصى عُمقٍ؛ ولكن في الوقت ذاتِه هناك رأت وجهَ الله والقيامة والحياة الأبديّة.

القصيدةُ السِّـمفونِيّة: «يا بنات أورشليم»

القصيدةُ السِّـمفونِيّة الثانية عُـنوانُها «يا بنات أورشليم»، وتَـنقِـلُـنا كذلك إلى إسرائيل. إنَّ ما كان يؤَثِّر بالأكثر في كارمن عندما كانت في أورشليم هو أنّه كان من الممكن، من جبلِ الزيتون، أن يُرَى صليبُ المسيح مرفوعًا. لقد حاولتُ أن أضع لحنًا لمقطعٍ من آلامِ المسيح بحسب القديس لوقا. لقد أخضعوا المسيح لعذابٍ لم يوجد في العالم بَتاتًا – وَفـقًا لِسيسِرون – عذابٌ أكبر منه: أيْ عذابُ الصليب.

تخيّلوا يسوعَ المسيح عابرًا أورشليم والصليب على مَـنكِـبَـيـهِ، وجسدُه كُلُّه مُـتَـوَرِّمًا مِن الضربات التي تلقّاها بالسُّوطِ الرومانِيّ. على الكَـفَـنِ المُقَدَّس تبدو العلاماتُ التي سبَّبَـتها ضرباتُ الجَـلدِ التي تلقّاها يسوعُ المسيح، والتي جعلتِ الجسمَ كُلَّه يَتَوَرَّم. إنَّ رؤيةَ المسيح على هذه الحال كانت تجعلُه يبدو حقًّا مِثلَ وحشٍ، مُغَطًّى بالدِّماء. هكذا كانت هيئة رَبِّنا يسوع حين مَرَّ في أحدِ الشّوارع، لدرجة أنَّ بعضَ النساءِ الموجودات هناك بَدأنَ يَصرخن كما هي العادة في الشرق. فيتوقّف يسوع ويقول لهن: «يا بنات أورشليم، لا تَـبكِـينَ عليًّ، بلِ ابكِـينَ على أنفسِكُنُّ وعلى أولادِكُـنَّ. لأنَّه، إنْ كانوا هكذا قد فعلوا بالعودِ الأخضر، فبِاليابس ماذا يكون؟».

إنَّ كلماتِ الإنجيل هذه لَـرَهيبةٌ: «إنْ كان هذا ما فعلوه بالعود الأخضر»، إنْ كان هذا ما يُفعَل بالبريء، فكم سيُصنَع بنا نحن المُذنِـبـيـن؟ ماذا يريد يسوعُ المسيح أن يقول من خلال ذلك؟ أنّه لا مَـفَـرَّ له من أن يذهب لِيُخَلِّصَ البَـشريّة كُلَّها، كُلَّنا، من العَذابِ التّامّ – أيْ مِن جَـهَـنَّـم -، مِمّا كان الشيطان قد أعدَّه لِلعود اليابس الذي هو نحن. إنَّ كلمةَ الإنجيل هذه، العميقة للغاية، والمؤثِّرة للغاية، والتي تُعطي المعنى لآلام رَبِّنا يسوعَ المسيح ولِمَوتِهِ، هي ما سوف نسمعُهُ الآن. لقد حاولتُ أن أضعَ لها لحنًا، وأتمنَّى أن تُساعِدَكُم.

طريق الموعوظين الجديد- حفل افتتاح دعوى تطويب وتقديس كارمن هيرنانديث- 4 كانون الأوّل/ ديسمبر 2022
الفِرقة الموسيقيّة السِّـمفونِيّة (أوركِـسترا) لِـطريقِ الموعوظينَ الجديد، والكورال، يتكوّنان من أساتذة وموسيقيّين ينتمون إلى طريقِ الموعوظينَ الجديد.

الحاضرون هنا الآن:

  • 94 موسيقِيًّا (عازفي آلاتٍ، وعازفًا واحدًا على الپــيانو)
  • 80 مُرَنِّمي الجوقة

يقود الأوركِسترا: توماس هانُس

هو مِن جمهوريّةِ التّـشيك، مُتَزَوِّج وله 8 أبناء، وينتمي إلى طريق الموعوظين الجديد. في عام 1999 فاز في المُسابقة الدُوَلِيّة لقائدي الأوركِسترا، ومنذُ ذلك الحين هو يقود أوركِـستراتٍ فيلهارمونيّة في مُختـلَـف بلادِ أوروبا، وكذلك في ‹المَسرحِ المَلَكيّ في مَدريد›. يَعمل حاليًّا في الـ‹الفِرقة الـفيلهارمونيّة› في پْـراغا وهو القائد الموسيقيّ لِـ‹أوپـرا ويلْـز القوميّة›.


مداخلة المطران كارلوس أوسورو خلال افتتاح دعوى كارمن هيرنانديث

أحيِّي بحرارة الفريق الدولي لطريق الموعوظين الجديد – كيكو والأب ماريو وأسينسيون – الذين يروِّجون لدعوى التقديس التي افتتحناها للتو. كما أحييّ أخويًّا جميع الكرادلة ورؤساء الأساقفة والأساقفة الذين رغبوا في مرافقتنا في هذه اللحظة المهمَّة جدًا، ليس فقط من أجل حياة طريق الموعوظين الجديد، بل أيضًا من أجل حياة الكنيسة. أحيِّي بحرارة جميع الكهنة والمؤمنين العلمانيين، ولا سيما أولئك الذين هم في الرسالة وجميع الذين يتابعون هذا الحدث عبر الإنترنت.

طريق الموعوظين الجديد- حفل افتتاح دعوى تطويب وتقديس كارمن هيرنانديث- 4 كانون الأوّل/ ديسمبر 2022

كلُّنا نعلم، الذين عرفوا كارمن عن قرب، مثلي أنا، خاصةً عندما كنت رئيس أساقفة فالنسيا، أنها كانت شخصيّة موهوبة وشجاعة، محبَّة بعمق ليسوع المسيح. تبدو في بعض الأحيان متحمِّسة لدرجة أنها قد تبدو غريبة الأطوار في علاقاتها. أودّ أن أُبرز ثلاث جوانب لها تبدو لي ضروريَّة بشكل خاص لكنيستنا ومجتمعنا:

أولًا، حبَّها العميق للكنيسة، وبطريقة خاصة للبابا. لقد سبق عندما كانت شابة مبتدئة أنَّها أكملت بالفعل أطروحتها حول “ضرورة الصلاة في فكر بيوس الثاني عشر”. ومع ذلك، لقد بدأت مع القديس بولس السادس علاقة وثيقة مع كلّ من الباباوات، علاقة تشدَّدت بشكل خاص مع القديس يوحنّا الثالث والعشرون، مع بنديكتوس السادس عشر ومع البابا فرانسيس. أحبَّت كارمن البابا، أياً كان، ولم تكن متحيِّزة لأحد أو لآخر. عندما كانت مريضة هنا في مدريد، اتصل بها البابا فرانسيس على الهاتف. قال لها أن تحافظ على هدوئها، لأن العشبة الفاسدة لا تموت أبدًا وأنَّه سيقدِّم لها سيجارة. إلى هذا الحدّ كانت علاقتها وثيقة مع خليفة بطرس. لكنّ ما يكمن وراء هذا القرب هو حب عميق للكنيسة، بروح طاعة الأبناء. كان له معنى كبير أنَّ كارمن أدركت أنها يجب أن تبقى مع كيكو في الأكواخ عندما رأت حضور رئيس الأساقفة مورسيلو.

ثانيًا، أودّ أن أبرز شجاعتها في التكلُّم بلا خوف عن الإنجيل والحقيقة والعدالة. كلماتها، التي كانت أحيانًا قاسية جدًا، كانت نابعة من الاقتناع بأنَّ الحقّ وحده هو الذي يحرِّر الإنسان، وأنَّ المسيح هو الحقّ. أعلنت كارمن الإنجيل إلى أقاصي الأرض، متَّبعة الروح التبشيريَّة التي رأتها تولد فيها عندما كانت طفلة. كما ذكرنا في الترنيمة في بداية هذا اللقاء، نستطيع القول من خلال حياتها: “ها قيودي قد تحطَّمت … سأذهب إلى أيِّ مكان”.

ثالثًا، على الرغم من أننا يمكننا أن نقول أشياء كثيرة، أودّ أن أُثني على الأهميَّة والكرامة اللّذين أعطتهما كارمن للمرأة، لدورها في الحياة، في المجتمع والكنيسة. جمال رحم الأم، حيث يتكوَّن كلّ إنسان وحيث صار ابن الله جسدًا. عظمة الحياة التي تولد داخل المرأة. وكذلك بعدها النهيويّ: المرأة الملتحفة بالشّمس التي تهزم الحيَّة.

مع ذلك، يجب ألا ننسى، أن هذا االحدث يعني فقط بداية دعوى تطويبها، حيث سنجمع في هذا الوقت كلّ الوثائق وكلّ الشهادات التي يمكن أن تساعد البابا لاحقًا في التمييز في حياتها وفضائلها وشهرة قداستها. إنَّها بداية مسيرة طويلة، التي سنقوم فيها بدراسة عميقة وشاملة لجميع الشهادات، سواء المؤيِّدة أو تلك التي قد تنشأ ضدّ هذه الدعوى. أشجِّعكم على طلب شفاعة خادمة الله كارمن هيرنانديز. أتمنّى من صميم القلب أن تؤتي هذه الدعوى ثمارها، بإذن الله.


Share: